لكن توقيت القيام بالزيارة ومستوى اللقاءات التي تخللتها على مدار يومين متتاليين منذ وصول وفد الحركة في ١٥يوليو/تموز الجاري، منح الزيارة مزيداً من الاهتمام الإقليمي والدولي، ومحاولة الجانبين ترتيب الأوراق في إطار سياسي يتعلق بمستقبل توازن القوى في المنطقة.
ويشير حرص المسؤولين في السعودية وفي مقدمتهم الملك سلمان بن عبد العزيز، ومعه ولي ولي العهد وزير الدفاع محمد بن سلمان، ورئيس جهاز الاستخبارات، على لقاء وفد الحركة، إلى تغير في آليات السياسة الخارجية للسعودية، وتعاطيها مع التحديات، التي ترى فيها تهديداً لنفوذها ومصالحها في المنطقة العربية بصفة خاصة والشرق الأوسط الجديد بشكل عام.
وتوقيت الزيارة يحمل دلالة خاصة في التحرك المستقبلي للمملكة بعد الإعلان رسميا عن توصل إيران ومجموعة (5+1) إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، والذي لم يلق ارتياحا كاملا من جانب قادة المملكة السعودية، الذين لم يقتنعوا بمبررات الإدارة الأمريكية حول الاتفاق.
فُتحت أبواب القصر الملكي للمكتب السياسي لحماس، وتمت المباحثات بين الجانبين في إطار الحراك المنتظر حول توازنات القوى الإقليمية والتغيرات المتوقعة في عناصر المعادلة السياسية للشرق الأوسط، لتنتهي حالة الفتور، التي اعترت العلاقات الثنائية، في محاولة من السعودية لملمة الأوراق السياسية تمهيداً لمرحلة ما بعد اتفاق الغرب مع طهران، وتقارب محتمل للولايات المتحدة مع إيران.
وعلى صعيد القضية الفلسطينية، فالزيارة تعيد فكرة قيام المملكة بدور في إنهاء الانقسام الفلسطيني، إلى واجهة الأحداث، من خلال عقد اتفاق "مكة 2" على غرار "مكة 1" الذي عقد عام 2007.
تلك الفكرة التي تلقى ترحيبا واسعا من جانب قيادات الحركة التي تعمل على تفعيل الدور السعودي وكسر العزلة السياسية والتخلص من الوضع الاقتصادي المتردي، والذي أكد عليه رئيس المكتب السياسي للحركة، خلال اتصال هاتفي مع ملك السعودية في فبراير/شباط الماضي، ونائبه إسماعيل هنية الذي أعلن في مايو/أيار الماضي عن جهود تبذلها الرياض للتوصل إلى اتفاق جديد للمصالحة.
وبينما تطرح محاولات نقل ملف المصالحة من القاهرة إلى الرياض العديد من التساؤلات حول تأثير ذلك على الدور المصري، يرى بعض المراقبين أن الملك سلمان بن عبد العزيز، يسعى إلى اقناع قيادات "حماس" بالتفرغ إلى القضية الفلسطينية وتجنب الدخول في مواجهة مع قوى إقليمية، خاصة مصر، وإعادة ترتيب الأوراق من جديد في ضوء التغيرات، التي تشهدها المنطقة، خصوصاً أن التحرك السعودي يأتي دعما للجهود المصرية لإنهاء الانقسام، ولن يكون بديلا له.
ويبدو أن الأيام القادمة ستكشف عن الكثير من تفاصيل مباحثات مشعل في الرياض، خاصة أن تلك المباحثات جرت ولأول مرة مع الملك السعودي، بعد أن كانت في الماضي تقتصر على لقاء وزير الخارجية الراحل سعود الفيصل، في تحول نوعي في مستوى الاتصالات، وما له من أبعاد سياسية تتعلق بالوضع في المنطقة، ومدى تأثيره على الدور المصري في المصالحة وعلى مجمل القضية الفلسطينية، إحدى أبرز أولويات السياسة الخارجية المصرية منذ عقود طويلة.
