أوكرانيا ضحية أطماع الغرب

استمرار انتهاك القانون الدولي المعاصر وعدم احترام ميثاق الأمم المتحدة، آفة السياسة الخارجية الأمريكية التي تهدف إلى الهيمنة على مجريات السياسة الدولية وتحقيق مصالحها دون النظر إلى استقرار المجتمع الدولي,

وفي غضون ذلك يواصل حلف شمال الأطلسي الذي تسيطر عليه واشنطن التوسع شرقا بالقرب من الحدود الروسية، مع نشر انظمة الدفاع الصاروخي بما يهدد الأمن القومي الروسي.

وأراد الغرب، في هذا السياق، استقطاب أوكرانيا من خلال الانقلابات والثورات التي بدأ الإعداد لها من الخارج في إطار سلسلة من الثورات الملونة في فضاء الاتحاد السوفيتي السابق، حيث بدأت الثورة "البرتقالية" في أوكرانيا والثورة "الوردية" في جورجيا والثورة في قيرغيزيستان، غير أن عجز الحكومة الأوكرانية على تلبية وتنفيذ المطالب الشعبية أدى إلى سقوطها سريعا، الأمر الذي لم يرق للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، لتعود محاولات تغذية الفتنة والتمرد في البلاد عام 2014 وهي تشهد انقسامات وحربا أهلية حاليا في ظل عدم تنفيذ اتفاق "مينسك".

رباعية النورماندي

نص الاتفاق الذي عقد بمشاركة قادة كل من روسيا وألمانيا وفرنسا وأوكرانيا والتي باتت مجموعتهم تعرف بـ "رباعية النورماندي" على ضرورة وقف إطلاق النار في مقاطعتي "دونيتسك" و"لوغانسك" وإنشاء منطقة أمنية عازلة بين القوات التابعة للحكومة في "كييف" وقوات "دونباس" وتأمين مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار، وسحب الأسلحة الثقيلة بإشراف من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

كما نص الاتفاق على دعم الحوار حول الانتخابات المحلية وفق الدستور الأوكراني وقانون نظام الحكم الذاتي المؤقت في مناطق محددة من مقاطعتي "دونيتسك" و"لوغانسك" والنظام المستقبلي لهما، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين وفق الأنظمة الدولية، بالإضافة إلى تحديد أشكال الاستئناف الكامل للاتصالات الاجتماعية والاقتصادية.

واتفقت الأطراف على استعادة الحكومة الأوكرانية سيطرتها الكاملة على حدود الدولة في جميع مناطق النزاع، على أن تبدأ هذه العملية في اليوم الأول من الانتخابات المحلية وتنتهي بعد تسوية سياسية شاملة، وسحب جميع التشكيلات الأجنبية المسلحة والأسلحة الثقيلة والمرتزقة من الأراضي الأوكرانية تحت مراقبة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ونزع تسليح جميع المجموعات غير القانونية.

ويتضمن الاتفاق إجراء إصلاح دستوري في أوكرانيا مع بدء سريان الدستور الجديد الذي يفترض اللامركزية، بالإضافة إلى سن تشريعات دائمة حول الصفة الخاصة لمناطق محددة في مقاطعتي "دونيتسك" و"لوغانسك"،

والاتفاق على المسائل الخاصة بالانتخابات المحلية مع ممثلي المناطق المحددة من مقاطعتي "دونيتسك" و"لوغانسك" في إطار مجموعة الاتصال الثلاثية وإجراء انتخابات مع التقيد بمعايير منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وتكثيف عمل مجموعة الاتصال الثلاثية من خلال انشاء مجموعات عمل لتنفيذ البنود الخاصة باتفاق مينسك الذي من المفترض أنه يضع حداً للأزمة الأوكرانية.

من المسؤول عن عدم تنفيذ اتفاقية "مينسك"؟

ما يزيد عن عام على توقيع اتفاق "مينسك" ولم يتم تنفيذ ما ورد فيه من التزامات، بينما حكومة "كييف" غير مدركة لتداعيات عدم تنفيذ التزاماتها تجاه المواطنين والتخلي عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستعادة الاستقرار في البلاد ومنح الحرية.

ويبدو أن الضغوط التي تتعرض لها الحكومة الأوكرانية من جانب الولايات المتحدة وحلف الناتو تدفعها إلى مزيد من المواجهة، على غرار تلك المشاهد التي دفعت الرئيس الجورجي السابق ميخائيل ساكاشفيلي، للعدوان والحرب مع روسيا عام 2008.

وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أوضح خلال اجتماع لوزراء خارجية "رباعية النورماندي" الذي عقد في مايو/أيار الماضي في برلين أن "جميع أعضاء "النورماندي" يؤيدون ضرورة تنفيذ الاتفاق، ويدعون سلطات "كييف" إلى عدم التنصل من مسؤوليتها، وأضاف أنهم أكدوا تمسكهم بضرورة ضمان إجراء انتخابات في منطقة دونباس وعفو عام، مشيرًا إلى أن كل ما يتعلق بمسألة إجراء انتخابات في "دونباس" يجب أن يتفق عليه الطرفان عن طريق مباحثات مباشرة بينهما".

واعتبر لافروف أن تحقيق تقدم سياسي في الأزمة الأوكرانية مرهون بطرفي النزاع، لافتا إلى أن الجانب الأوكراني يلجأ إلى مبررات لتأخير تنفيذ جميع بنود اتفاق "مينسك".

لماذا أوكرانيا؟

تمثل أوكرانيا وجورجيا ودول شرق أوروبا أدوات مهمة في استراتيجية حلف شمال الأطلسي للاقتراب من الحدود الروسية، وهو ما يعرف بخطة الحلف للتوسع شرقا من خلال انضمام تلك الدول إلى عضوية الحلف، في حين يخشى الحلف غضب روسيا في حال قبول عضوية أوكرانيا وجورجيا واكتفى بتوقيع اتفاق شراكة بين الجانبين، إلى جانب توفير الدعم السياسي والعسكري لاستمرار حالة التوتر في علاقات كييف مع موسكو.

التوسع شرقا يهدف إلى خلق نقاط ارتكاز في منطقتي شرق أوروبا ووسط آسيا بما يعني التهديد المباشر للمصالح الروسية والأمن القومي الروسي، بينما تعارض روسيا هذه السياسة معربة عن الاستعداد الدائم لضمان أمنها في مواجهة تكثيف الأنشطة العسكرية للحلف بالقرب من حدودها، معتبرةً أن الأنشطة العسكرية للحلف لا تساهم في تعزيز التعاون في محاربة الإرهاب.

ورغم الموقف الروسي الساعي إلى التعاون مع حلف شمال الأطلسي، حول ضمان الأمن في أوروبا ومحاربة الإرهاب، لكن الحلف صاحب المهمة العسكرية والذي تقوده الولايات المتحدة يتنبى عقيدة عدوانية واسراتيجية تقوم على المواجهة. تلك الاستراتيجية التي تفسر تمسك واشنطن بالإبقاء على الحلف بعد تلك السنوات التي مرت على سقوط حائط برلين واختفاء حلف "وارسو" وانهيار الاتحاد السوفيتي.

الخلاصة

تصدير الديمقراطية وحماية الحريات ملفات تسعى من خلالها الولايات المتحدة للتدخل في الشؤون الداخلية لعدد من الدول التي تقع في مناطق تبحث فيها الولايات المتحدة عن موطئ قدم أو تعزيز تواجدها، وما سلسلة الثورات الملونة وما يعرف بـ "ثورات الربيع العربي" سوى جزءا من استراتيجية الفوضى الخلاقة وعمليات التقسيم حتى تتمكن واشنطن من فرض نفوذها، بينما تدفع الشعوب فاتورة الأطماع الغربية

 

(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)