فمنذ بداية الأزمة في سوريا، كان هناك العديد من محاولات التدخل الإسرائيلي في الشأن السوري تحت ستار الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي، وقامت بطلعات وغارات عديدة بين الفينة والأخرى، ودمرت عددا من المواقع العسكرية السورية في دمشق والجولان السوري المحتل، كما وكانت إسرائيل قد قامت بالعديد من الطلعات والغارات الجوية لمنع تقدم الجيش السوري على المجموعات الإرهابية المسلحة في ريف دمشق والقنيطرة على الحدود مع فلسطين المحتلة. زد على ذلك قدمت إسرائيل، وبشكل علني، الدعم بمختلف أنواعه للمجموعات المسلحة من جبهة "النصرة" و"داعش" وغيرها. وظهر هذا جليا في نقل المصابين من المجموعات الإرهابية المسلحة إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة لمعالجتهم، وقام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيمين نتنياهو بزيارتهم مرات عدديدة، وتبرج بالصور على الإنترنيت ووسائل الإعلام للدعاية عن الإنسانية التي تتمتع بها إسرائيل، على حد زعمهم، في الوقت الذي يقتل فيه الشعب الفلسطيني الآمن، عدا الحروب التي مرت، وبشكل إنساني، كما يدعون.
هذا من جانب، لكن الجانب الأخطر والأكثر خطورة هو الطريقة الجديدة التي تستخدمها إسرائيل للتدخل في الشأن السوري، وهو اللعب على الوتر الطائفي وتقسيم البلاد إلى كونتونات طائفية متناحرة، تفقد الثقة ببعضها بعضا وبالجيش العربي السوري الذي يدافع عنها، حيث أن إسرائيل راحت تروج عبر الدعاية للاعتداءات المزعومة من قبل الجيش ضد الدروز السوريين في مناطق تواجدهم الجغرافي في السويداء والجولان السوري المحتل والقنيطرة، في الوقت الذي تقوم فيه المجموعات الإرهابية بالاعتداء على أهالي هذه المناطق وبدعم وتشجيع من إسرائيل ذاتها، آملة في أن يلجأ هؤلاء الأهالي إلى طلب الحماية من القوات الإسرائيلية. والأنكا من ذلك أن إسرائيل صرحت أنها مستعدة لاستخدام القوة العسكرية لحماية الدروز السوريين، لكن جاء الجواب سريعا من دروز سوريا وكعادتهم وكما يشهد لهم التاريخ بالقوة والعنفوان والحمية للدفاع عن الوطن والشرف، وسارعت مشيخة العقل لإصدار بيان تعلن فيه النفير الشعبي العام للدفاع عن الأرض والعرض، وهب أبناء المناطق الدرزية في سوريا من كبيرهم إلى صغيرهم وشيبهم وشبابهم ونسائهم لحمل السلاح، ما شكل صدمة لإسرائيل وقطع الطريق عليها في استكمال الخطة التي عمدت على تنفيذها بالتعاون مع المجموعات المسلحة ومع بعض السياسيين والإعلاميين الذين روجوا لهذه الحملة.
السؤال الأول الذي يطرح نفسه هنا هو ألم تتعب إسرائيل من محاولاتها هذه مع الدروز في سوريا، وهم الذين يقبعون في الأراضي المحتلة منذ عشرات السنين تحت نير الاحتلال، ولم يقبلوا أن يتنازلوا عن هويتهم الوطنية السورية؟ هل نسيت إسرائيل التاريخ النضالي العريق للدروز في المنطقة، وتحديدا في سوريا، في جبل العرب الأشم، وأجدادهم من كبار قادة الثورات السورية؟
هذه الأسئلة وغيرها نطرحها على ضيف حلقة اليوم الدكتور محمد أسعد العويوي المحلل السياسي وأستاذ القضية الفلسطينية في جامعة القدس.