العنوان آنف الذكر مقولة شعبية تقال باللغة العامة في جمهورية مصر العربية ، بطبيعة الحال لم يأتي هذا التعبير من فراغ فلم يعد حكراً على الشعب المصري في معناه ومضمونه الذي يتراقص عفريته أمام أعين سكان المنطقة ككل في ظل التطورات الحالية في كل دول المنطقة والتي تذكرنا ببدايات ما سمي بالربيع العربي عام 2011 ، والذي لا يمكن أن يأتي من فراغ ، فأوضاع دول المنطقة كلها لا يمكن أن توصف بالعادية أو ما يحدث فيها بالاهتزازات العابرة ، وإنما بفعل مخطط تاهت مخططاته بفعل صمود القوى المقاومة له تحديداً في سورية والعراق وفلسطين ومصر واليمن والآن يتدحرج نحو إيران ، هذا على المستوى الإقليمي ، فما بالك على المستوى الدولي وصولاً إلى أوروبا الغربية مرورا بأوكرانيا ودول أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية ولا تنتهي في كوريا الشمالية ولا في بحر الصين بطوله وعرضه.
حتى لا نطيل في المقدمة لابد هنا من العودة إلى تحليل ما يجري في المنطقة والعالم وما يمكن أن تؤول إليه الأحداث في المستقبل إن لم يتوقف هذا الجنون إنطلاقا من طرح كثير من التساؤلات وأهمها:
إلى أي حد تكشفت بواطن الأحداث بعد الانتصارات في سورية وقدرة دول المنطقة الأخرى على شرخ خارطة الشرق الأوسط الجديد ؟
الذي يجري حالياً هل هو تخبط بالفعل نتيجة فشل المشروع وتضارب المصالح أم أنه عمل مدروس ومتفق عليه بعضه في الظاهر وما خفي أعظم ؟
إلى أين تذهب المنطقة فعلاً في ظل هذا التصعيد الرهيب مع تسارع نبض الحديث عن إنفجار الوضع في لحظة على غفلة من الجميع ؟
ما هي أسباب هذا العجز العربي الحقيقة في عدم القدرة على الوقوف علناً أمام كل هذه التحديات وفي وجه من يريد تدمير المنطقة وإعادتها إلى القرون الوسطى ؟
لماذا همدت وماتت معنوية جزء كبير من شعوب المنطقة وكأنها سلمت رقبتها للموت المحتم ولا حول ولا قوة لها ؟
هل هذه بوادر حرب عالمية لم تكن بالحسبان بعد أن خرجت الأمور عن سيطرة صناع الحرب في الإقليم ؟
ماهي السبل والوسائل الملحة في الوقت الحالي لوأد نار النزاعات التي تتوسع يوماً بعد يوم ؟
الأكاديمي و الباحث السياسي الدكتور محمد سيّد أحمد يقول
" نؤكد على أنه يوجد هناك بالفعل عجز عربي واضح ، المشروع الصهيو أمريكي يفرض هيمنة حقيقية على بلدان العالم العربي وعلى بعض بلدان الخليج العربي بشكل خاص ، الجميع يعمل وفق هذه المنظومة ويعمل لتنفيذ هذه الأجندة دون أن تهمه مصالح دول المنطقة وشعوبها لدرجة أن الشعوب نفسها لم تعد لتثق في هؤلاء الحكام الذين لايبحثون سوى على الحفاظ على حكمهم وكراسيهم دون الناس ومصالحهم ، المشروع الوحيد الذي يمكن أن يكون مشروعاً مضاداً للمشروع الصهيوأمريكي هو مشروع المقاومة ومشروع الوحدة ، ولابد من الرهان على الشعوب التي يجب أن تنهض وتضغط على الحكام من أجل أن تجبرهم على أخذ مواقف أكثر تقدمية تجاه مايجري ".
وأردف الدكتور سّيد أحمد في معرض حديثه قائلاً
"هذه الشعوب للأسف الشديد تم تدميرها بشكل ممنهج على مدار أكثر من أربعة عقود وأصبح المشروع الفردي والمشروع الخلاص الفردي هو الذي يسيطر على العقل العربي ، وفي ظل هذا المشروع الذي يبحث عن المصلحة الفردية أصبحت هذه الشعوب جثة هامدة ، لا يتحركون وإذا تحركوا يتحركون في مناسبات وبعد ذلك تخمد ثورتهم ،وبالتالي للأسف الشديد هذه القيم التي أصبحت مترسخة في المجتمع ، أقصد القيم السلبية والأنانية والخلاص الفردي باتت تشكل خطراً على شعوب المنطقة ومجتمعاتها إن لم يكن هناك مخرج صحيح لإنقاذ شعوب المنطقة من الغرق في منعكساتها عليه ، هذه القيم الصحيحة والسليمة لابد من إعادة إحيائها والقضاء على ما ظهر من السلبي فيها من خلال تشكيل الوعي عبر المؤسسات الإجتماعية وعبر وسائل الإعلام وعبر الأسرة ، لأن هذه الوسائل عندما غابت تم تشكيل وعي زائف لدى الجماهير الشعبية"
رأي الدكتور سّيد أحمد أن
"البداية في التغيير الإيجابي يجب أن تكون على الصعيد الشعبي ومن ثم ننتقل إلى مؤسسات الدولة التي تسربت إليها العقلية التي تريد أن تزيف وعي الناس ، عقلية الأمريكي والصهيوني ، وأعتقد أن إنتفاضة الجماهير تـأتي كمقدمة، ومن ثم يتبعها ضغط على الحكومات وعلى هذه المؤسسات الموجودة داخل أي دولة لإعادة إحياء الوعي الجماهيري والشعبي".
المحامي والمستشار بالعلاقات الدبلوماسية الدكتور محمد حسن العكلة رأى أن
"ماجاء على لسان الدكتور محمد سيّد أحمد في مكانه وأن هناك بعض الظروف التي شاركت بصنعها الولايات المتحدة الأمريكية مع بعض دول المنطقة مثل تركيا والسعودية وإسرائيل لتحقيق مصالحها لكن دول محور المقاومة إستطاعت أن تعبر عن كيانها وقدرتها على مواجهة هذه المشاريع والمخططات وأن الوعي الجماهيري بالفعل يزداد تجاه ما يجري من أحداث في المنطقة ، ولابد من إستثماره وتوجيهه نحو مواجهة أي مخطط إقليمي أو دولي من شأنه أن يذهب بالمنطقة إلى المجهول ".
كما وأشار الدكتور العكلة إلى أنه
"على السعودية أن تغير من تعاطيها مع أحداث المنطقة وأن تساهم في وقف تصدير الفكر التكفيري والإمتناع عن التدخل في شؤون الدول وتؤدي دوراً في امنع عن تمويل الإرهابيين، ويجب أن توقف حربها وعدوانها علي اليمن،فهذا أفضل من الأحلاف والمؤتمرات الفارغة التي تعقدها ، وعد بلفور في عام 1917 تم تنفيذه بسب ضعف العرب وتخاذلهم، لكن عهد ترامب في2017 لن ينفذ بسب قوة محور المقاومة وجهوزيته لما يحضر للمنطقة ككل "
وأضاف الدكتور العكلة:
" من أخطر ما يحدث يتضح من المؤامرة التي تحاك ضد إيران حالياً والتي يظهر أن للولايات المتحدة الأمريكية و الإسرائيلية والسعودية يداً فيها فقد سمعنا تصريحات مسؤولين هذه الدول تجاه إيران وأن الحرب سوف تنقل إلى داخلها ، والخطير في هذه التطورات هو الإعتماد في هذه الأحداث على سيناريو مشابه لما حصل في سورية ،لكي ينتهي الأمر بوجود عسكري أمريكي على الأرض الإيرانية بعد أن توسعت إيران بوجودها الإقليمي وبقوة ، لكن هذا المخطط سيفشل لأن إيران كانت سريعة في كشف غرف عمليات أربيل وغرفة عمليات باكستان، كما أن القوى المسلحة الإيرانية كانت في كامل الوعي والجهوزية للتصدي لهذا المخطط، أخيراً المستفيد الأول من هذه الأحداث وما يجري في المنطقة هي الولايات المتحدة وإسرائيل وأعتقد أنه في حال وقعت الحرب فإن إسرائيل سوف تتألم وتدفع ثمن ما تقوم به من تدخلات في شؤون دول المنطقة ".
من جانبه الدكتور عادل الذنون عضو الأكاديمية الفلسطينية للإعلام الدولي و المحلل السياسي والأستاذ المحاضر في جامعة "البعث"
إنضم إلى الرأي الذي عبر عنه كل من الدكتور محمد سّيد أحمد والدكتور محمد العكلة بما يخص مجريات الأحداث وأسبابها ومسبباتها وكيفية التعامل مع المستجدات الراهنة ومقاومتها ، مؤكداً على خطورة المخططات التي تحال لدول المنطقة ، ومنوهاً إلى أهمية اللقاءات والندوات والمشاركات والفعاليات الهادفة بمختلف أشكالها والتي تدعم هذا المسار بما يحقق الوعي الجماهيري المدرك لكل مجريات الأحداث في المنطقة والعالم ، وأن مثل هذه الفعاليات قد بدأت بالفعل بالتوسع منذ فترة في دمشق كالمؤتمر القومي العربي مؤخراً ، وكان لها حضوراً مهماً على الساحة الشعبية ولقيت إهتماماً شعبيا واسعاً بمختلف شرائحه ومستوياته السياسية والإجتماعية ، ماينبغي العمل بجد على تأطيرها وتوسيعها بما يخدم مصلحة مواجهة أي مشروع ضد دول المنطقة.
ورأى الدكتور الذنون أن
"التغيرات المرحلية في العالم أرخت بظلالها على الواقع العربي المتردي في كثير من مفاصله،إذ أوجدت بيئةً خصبة لنشر الفتن والتنازلات والتواطؤ مع السياسات الصهيوأمريكية بدعم من اللوبي الصهيوني في محاولة الأخير القضاء على أيّ جهد عربي مقاوم يقف في مواجهة المشاريع الإستعمارية الغربية ،والتجارب التي مرت بها منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط) تدلل على حجم اللعبة التي تحاك ضدها إجتماعياً وسياسياً واقتصادياً.
وأشار الدكتور الذنون إلى أنه
"من المفيد هنا أن نعزز خطاب المقاومة الذي أثبت قوة فاعلة لدى الشارع العربي في مواجهة الأحلاف الرجعية وخيرُ دليل يمثل هذه الإنتفاضات والتظاهرات والدعوات واللقاءات الشعبية التي تنطلق من البلدان العربية التي تحسست الواقع الأليم للأمتين العربيّة و الإسلامية في محاولة السعي إلى تشكيل تيار مقاوم للحدّ من الهيمنة وسياسة القطب الواحد التي إنتهجتها الدوائر اللوبية بمختلف أنواعها الإقليمية والدولية ، وماحققه تيار المقاومة من إنتصارات على مشاريع الغرب دفعَ الكثيرين للإلتحاق بركب هذا التيار إذ وجد الشعب العربي فيه الكرامة والعزة والشموخ والأصالة العربية على مرّ التاريخ ".
التفاصيل في التسجيل الصوتي المرفق
إعداد وتقديم: نواف ابراهيم
