إعداد وتقديم: نزار بوش
بينما يتابع كل من الجيش السوري والعراقي تحقيق انتصارات على تنظيم "داعش" الإرهابي في كلا البلدين، يعلن مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق إجراء استفتاء على الانفصال عن العراق في حين، هددت "قوات سوريا الديمقراطية" ذات الطابع الكردي والمدعومة أمريكيا الجيش السوري من التقدم باتجاه الضفة الشمالية لنهر الفرات، حيث استطاعت القوات السورية القضاء على تواجد "داعش" في أجزاء كبيرة من دير الزور وما بعد دير الزور، وردا على إعلان الاستفتاء في كردستان أعلن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أن العراق لن يسمح بقيام إسرائيل ثانية شمال العراق، بينما أكد الرئيس العراقي حيدر العبادي استعداد بغداد بالتدخل عسكريا إذا أدى استفتاء إقليم كردستان إلى العنف، في حين صرحت دمشق أن الجيش السوري سيطهر كل الجغرافية السورية من الجماعات المسلحة بكل مسمياتها وأن الجيش السوري سيدخل كل شبر من سوريا الموحدة، بينما أعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي تأييده ودعمه الشديد لإقامة دولة كردية، فهل يستطيع الكرد إنشاء دولة مع رفض قاطع لكل الدول التي تحيط بإقليم كردستان؟ أسئلة كثيرة تطرح نفسها في خضم حرب يخضوها الجيشان العراقي والسوري ضد الإرهاب الداعشي على أراضي البلدين، مع استغلال الجماعات الكردية في سوريا فرصة انشغال الجيش السوري في محاربة الجماعات الإرهابية على كامل الجغرافية السورية ودخولها إلى مدينة الرقة ومناطق أخرى من الشمال والشرق السوري، بالإضافة إلى محاولتها إعاقة تقدم الجيش السوري والحلفاء من التقدم على جبهة دير الزور للقضاء على "داعش" الإرهابي.
وقد تحدث الخبير الأمني الدكتور أحمد الشريفي حول مشروع الدولة الكردية قائلا: لا بد أن نشير إلى حقيقة وهي أن هناك أدوار قسمت ووزعت بطريقة ذكية جدا لتنفيذ مشروع يستهدف كلا من العراق وسوريا، وهذا يتعلق بجملة من المفاهيم وفي مقدمتها الطاقة والمياه، أي أننا نتحدث عن حرب طاقة وحرب مياه، فمنذعام 2005 تحدث نتنياهو عن ضرورة إحياء خط البترول الرابط بين كركوك والموصل مرورا بسوريا وصولا إلى حوض البحر الأبيض المتوسط لرسم خرائط جديدة للطاقة تخدم الكيان الصهيوني، ولو تحدثنا كيف نشأ "داعش"، نستطيع القول إن الهدف من إنشاء "داعش" هو تغيير الحكم في كل من العراق وسوريا إلى أنظمة موالية للولايات المتحدة، وتحصيل حاصل حليفة لاسرائيل، لتأمين انسيابية تدفق البترول والسيطرة على معابر الطاقة، وكذلك السيطرة على مصادر المياه والإطلالات البحرية امتدادا من الخليج وصولا إلى حوض البحر المتوسط، ولكن فشل "داعش" بتحقيق هذه المهمة بسبب إصرار الشعب السوري على خوض معركة وجود والدفاع عن ثوابته الوطنية، وعن سيادة أرضه، أجهد هذا المشروع بإرادة وطنية، لذلك لاحظنا حين تحرك "داعش" اتجه نحو بغداد لإسقاط النظام، ولكن حينما فشل "داعش"، بدأ مشروع جديد بتقسيم العراق وسوريا كتأسيس لمرحلة جديدة، بعد هزيمتهم في استخدام "داعش" كوسيلة لإسقاط النظام، لذلك نقول: إن هناك مشروع وتواطؤ محلي مع هذا المشروع.
وتحدث الدكتور أحمد الشريفي عن الرد العراقي على مشروع الكرد في كردستان قائلا: هناك خشية من التدويل، والتدويل لن يكون تدويلا بريئا، لذلك أخذ صناع القرار في العراق بمبدأ الدبلوماسية الوقائية، أي لا زلنا في محور صناعة السلام الذي يتضمن الحوار في حل الأزمة، التي في إطارها العام محركاتها خارجية وإن عدت أزمة داخلية، ولكن إذا أخفق الحوار الداخلي، وهذا يعني أننا سنذهب إلى معالجة جديدة في إطار الدبلوماسية الوقائية وهي حفظ السلام الذي سيعطي ذريعة للدول الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة في نشر قوات عزل بين إقليم كردستان وبين قطعات الجيش العراقي، لمنع ما يطلق عليه بالاحتكاك أو التماس العسكري، وهذه الحقيقة ستولد ذريعة وتفويضا دوليا لإعادة انتشار أمريكي، سيمتد ليس في العراق فحسب بل إلى سوريا، وكذلك وصولا إلى حوض البحر الأبيض المتوسط، والقضية تقرأ بالسيطرة على ممرات الطاقة.
وحول أفعال ما تسمى "قوات سوريا الديمقراطية" ذات الطابع الكردي في المناطق التي تدخلها والمدعومة أمريكيا في سوريا، قال الخبير العسكري هيثم حسون: إن "قوات سوريا الديمقراطية" هي ليست أكثر من زراع للولايات المتحدة الأمريكية، والتي بدأت باستخدامه منذ بداية عام 2013، حيث تطورت العلاقة بين المنظمات العسكرية والولايات المتحدة مستندة لإطماع موجودة داخل القادة الأكراد، واستطاعت الاستخبارات الأمريكية تغذية هذه الأطماع ودغدغة مشاعر القادة الكرد في مشروع ما يسمى الفيدرالية، ولا بد من التنويه إلا أن بداية الأطماع الكردية ظهرت في عام 2003 من خلال التنسيق بين كردستان العراق والمجموعات الكردية التي حاولت السيطرة على مساحات واسعة داخل الجغرافية السورية، ولكن قمعت تلك الحركة من العشائر العربية ومن الجيش السوري، بعد أن تمكنت من الانتشار في مناطق واسعة، وبعد بدء ما يسمى "الربيع العربي" ظهر أن المجموعات الكردية تعمل لأن تكون ضمن المخطط الأمريكي الرامي إلى تفتيت سوريا من أجل الحصول على الجزء الشمالي من الجغرافية السورية جراء التفتيت والتقسيم، بطيبعة الحال هذه الأمور تطورت مع تطور الأحداث في سوريا وتطور القدرة العسكرية للمجموعات الكردية، وبعد ذلك الحديث عما سمي محاربة الإرهاب بالاستناد إلى قوة برية تمثلها "قوات سوريا الديمقراطية" التي تطورت فيما بعد شكلت خطرا على الجغرافية السورية وعلى وحدة الأراضي السورية، وهذا الأمر بدأ يظهر بشكل واضح مع انهيار مخطط "داعش" وفشل الولايات المتحدة في الحفاظ على قوة "داعش"، فبدأت عمليات التنسيق بين ما تسمى "قوات سوريا الديمقراطية" وقوات "داعش"، هذا التنسيق الذي ظهر بشكل واضح بالدخول إلى مدينة الرقة وإلى مدينة الطبقة، بشكل استلام وتسليم بين القوة المسلحة للجانبين والتي تم إفشالها بسبب العمليات العسكرية التي نفذها الجانب السوري والروسي في منع قوات "داعش" من الانسحاب من مدينة الرقة، بعد ذلك تطورت العمليات العسكرية للجيش السوري ووصل إلى دير الزور، وهنا ظهر أن هناك خطر حقيقي على مشروع ما تسمى "قوات سوريا الديمقراطية لأن الجيش السوري بالتأكيد سينتشر في كل المناطق التي تنتشر فيها مجموعات إرهابية مسلحة بغض النظر عن انتماءاتها إن كانت عرقية أو مذهبية أو طائفية أو بأسماء ومسميات أخرى، وهنا أعطت الولايات المتحدة لما تسمى "قوات سوريا الديمقراطية" ضوءا أخضرا لتنفيذ مجموعة من التهديدات والإنذارات للجيش السوري لمنعه من التقدم شمال نهر الفرات أو منعه من التقدم إلى الأجزاء الشرقية والشمالية الشرقية من دير الزور.
وتابع العميد هيثم حسون: بدأ الجيش السوري عمليا بالرد على التهديدات الكردية التي هي نسخة من الطابع الأمريكي للتهديدات الموجهة للدولة السورية، وكان بداية الرد السوري الإنزال الجوي الذي نفذ في شرق الفرات والذي تمكنت من خلال القوات السورية الجسر وبعد ذلك تم تأمين عبور القوات المسلحة بغطاء جوي روسي كثيف لحركة القوات المسلحة، وسيكون الرد السوري العسكري من خلال تقدم الجيش السوري إلى الجغرافية التي تسيطر عليها مجموعات "قوات سوريا الديمقراطية" التي تمثل وجها آخر ل"داعش" لأنها تحتل جزءا من الجغرافية السورية بشكل غير شرعي وغير قانوني، أما من الناحية السياسية، فالبتأكيد الدولة السورية تسعى لأن تستعيد السيطرة على كل الأراضي السورية، أولا: بفرض سلطة الدولة السورية على كل المناطق، ثانيا: من خلال إلغاء مبررات وجود هذه المجموعات المسلحة للقضاء على القوة الإرهابية التي كانت الذريعة والسبب لانتشار ما تسمى "قوات سوريا الديمقراطية"، أما فيما بعد فالمواجهة قادمة بين الجيش السوري وبين "قوات سوريا الديمقراطية" لأن هذه القوات أعتقد أنها ستسير في مشروع خدمة المصالح الأمريكية، ومحاولة تحصيل الأطماع الكردية في الشمال السوري حتى النهاية، وستكون هذه النهاية الاصطدام مع الجيش السوري.
وعن سبب استمانة اسرائيل في اتجاه انفصال كردستان العراق قال الدكتور أحمد الشريفي: حينما نتحدث عن العمليات التي تجري في سوريا وفي العراق لا بد أن نشير إلى حقيقة أن الحديث ضمنا يشير إلى ما يطلق عليه بالأمن القومي والحزام الضامن للكيان الصهيوني، وهذه المعادلة تبدأ من الأنبار في العراق وامتدادا إلى الأراضي السورية، وأيضا يأتي ذلك في إطار أمن الطاقة للكيان الصهيوني، لأن اسرائيل بشكل أو بآخر ترغب بتحقيق حزام ضامن لاتمام عملية الهيمنة التي تفرضها الولايات المتحدة على سوق البترول والغاز الطبيعي، حتى تكون الهيمنة على سوق البترول بيد الولايات المتحدة، والهيمنة على الغاز الطبيعي بيد اسرائيل.
وأضاف الدكتور الشريفي: إن ما تسمى "قوات سوريا الديمقراطية" هي ورقة ابتزاز سياسي وعسكري في يد الولايات المتحدة الأمريكية، والهيمنة في استراتيجية الولايات المتحدة جزء لا يتجزأ من الأمن القومي الأمريكي، فلذلك تمارس حروبا بالنيابة لفرض واقع حال للتأثير في القرار السياسي، لذلك فالمعادلة خطرة وتستلزم عدم الرهان في المرحلة القادمة على من لديه مواقف متلونة وانتهازية وتحديا الموقف التركي وأعني هنا موق أردوغان الذي لديه طموحات منفلتة، والذي كان سببا في دفع داعش لاجتياح الحدود السورية واستباحة سيادة الدولة السورية التي كانت حليفة ووتتعامل بمنتهى النبل مع تركيا، ولكن تركيا تعاملت مع سوريا بمنتهى الجحود.
ولا بد من التذكير أن ىالمتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية، اللواء إيغور كوناشينكوف أعلن، اليوم الخميس 21 سبتمبر/أيلول، أن وسائل المراقبة الروسية سجلت عملية نقل مسلحي "قسد" من محافظة الرقة إلى المناطق الشمالية من دير الزور.
وقال كوناشينكوف: "وسائل المراقبة الروسية سجلت عملية نقل مسلحي "قسد" من محافظة الرقة إلى المناطق الشمالية من دير الزور، أريد أن أشير إلى أن مسلحي "قسد" القادمين من شمال ديرالزور ينضمون إلى فصائل "داعش" بحرية، والطائرات الاستطلاعية الروسية بدون طيار لم تسجل خلال أسبوع أي اشتباكات بين "داعش" ومسلحي "قسد".
وعن سؤال هل يستطيع الكرد إنشاء دولة لهم بين أربع دول وهي سوريا والعراق وتركيا وإيران تحيط بهم من كل الجهات وترفض إقامة دولة كردية؟ أجاب الدكتور شريفي: ما يمكن أن يكبح طموحات مسعود البرزاني هو أن مشروع الدولة الكردية سيكون مخنوقا استراتيجيا أو مخنوقة بشكل جيوبوليتيكيا، ولكن لا يمكن ضمان الموقف التركي، فيمكن أن تحول تركيا إقليم كردستان إلى ولاية وتعطيه انفتاجا كدولة على مستوى تصدير وعبور الطاقة إلى حوض البحر المتوسط مرورا بتركيا من خلال تسوية معينة، وبالتوافق مع اسرائيل، وتكون تركيا حققت الدور الوظيفي الذي خسرته بعد فشل مشروعها في سوريا.
وحول الرد العراقي على استفتاء كردستان بالانصال عن العراق قال الشريفي: إذا استنفذنا وسائل صناعة السلام فمعنى لا يوجد بديل إلا خيار الحرب والتلويح باستخدام السلاح، ولكن لن يكون استخدام السلاح مجديا.
فيما وصف نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد عزم الإدارة الكردية في شمال سوريا تنظيم انتخابات في المناطق الواقعة تحت سيطرتها بأنها "مزحة".
وقال المقداد في مقابلة مع وكالة "رويترز" وهيئة الإذاعة البريطانية في دمشق: "سوريا لن تسمح أبدا بانفصال أي جزء من أراضيها"، مضيفا أن الحكومة ستؤكد في النهاية سيطرتها على المناطق الخاضعة للأكراد.
وأضاف المقداد: "نعتقد أن المواطنين السوريين في شمال سوريا لن يعرضوا الوضع للخطر في البلاد أو يتحركوا باتجاه أي شكل من أشكال تقسيم سوريا. من سيتحركون في تلك الاتجاهات يعرفون الثمن الذي سيدفعونه".
وفي إجابة على سؤال ما إذا كانت الحكومة السورية ترغب في استعادة المناطق المسيطر عليها من قبل جماعات كردية حاليا، رد المسؤول السوري بأنها ليست مسألة رغبة ولكن "ينبغي عليها" أن تقوم بها، قائلا: "وحدة الأراضي السورية لن تكون أبدا محلا للجدال".
