تشن بعض الدول الغربية حملة إعلامية غير مسبوقة ضد روسيا، إن كان في مجلس الأمن أو إن كان في وسائل الإعلام المختلفة، إضافة إلى توجيه الاتهامات لروسيا بأنها مسؤولة عن استخدام الجيش السوري للغازات السامة ضد المدنيين في الغوطة الشرقية حسب زعم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، بدون تقديم أي دليل على ذلك، لكن الدول الغربية لم تتوقف عند هذا الحد، بل ذهبت بريطانيا لتشن حربا إعلامية ضروسا ضد روسيا، وتتهمها بتسميم ضابط المخابرات الروسي السابق سيرغي سكريبال مع ابنته في مدينة سالزبري بجنوب بريطانيا، قبل إجراء أي تحقيق أو تقديم أي دليل بهذا الشأن، وجاءت الاتهامات لروسيا مباشرة بعد أن وجدت الشرطة البريطانية الجاسوس سيرغي سكريبال مغمى عليه مع ابنته بجانب بيته ، علما بأن بريطانيا هي المطالبة بتقديم توضيحات وتفسيرات عن كيفية تسميم مواطن روسي على أراضيها وتحت حماية قواتها الأمنية وفي عقر دارها.
واعتبر لافروف أن ادعاءات بريطانيا ضد روسيا وقحة ولا تستند إلى أدلة، "ممثلنا في مجلس الأمن الدولي فاسيلي نيبينزيا، حدد، بالطبع موقفنا وردودنا بشكل دبلوماسي ولبق على الاتهامات الوقحة ضدنا، وغير المثبتة، والتي لا أساس لها من الصحة… دعونا لاعتماد آلية ينبغي التحقيق فيها على أساس اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية إلا أن المندوب البريطاني رفض هذا الاقتراح".
ولفت الوزير الروسي إلى أن دوافع ونوايا لندن في قضية سكريبال غير نظيفة، "أعتقد أن الدوافع في أي حال كانت غير نظيفة.. فلو كانت عكس ذلك لكانوا أخبرونا عن الدلائل ولقدموا إجابات عن التساؤلات التي طرحناها… بما فيها تطبيق الإجراءات المنصوص عليها في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية".
طبعا تضامن الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون مع رئيسة وزراء بريطانيا التي هددت وحذرت وتوعدت روسيا، فيما عبر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبيرغ في حديث مع وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون عن دعمه الكامل للسياسة التي تمارسها بريطانيا تجاه روسيا.
كل هذه الحرب الإعلامية والتهديدات الغربية لروسيا جاءت قبل أيام معدودة من إجراء الانتخابات الرئاسية الروسية، وقبل افتتاح كأس العالم لكرة القدم في حزيران المقبل 2018.
وحول هذا الموضوع يقول الباحث السياسي بسام رجا:
إن التصعيد الغربي ضد روسيا وسوريا مدروس بدقة فائقة وعناية، لدرجة أن هذا التصعيد يأتي في مرحلة مفصلية مع تحرير الغوطة الشرقية بريف دمشق من الجماعات الإرهابية، وأرادت بريطانيا والولايات المتحدة ومعهم فرنسا من وراء هذا التصعيد، إبقاف عمليات الجيش السوري الناجحة على كامل الجغرافية السورية، وأيضا العملية السياسية التي تدار بحنكة بين سوريا وروسيا وإيران، على اتجاهين، الاتجاه الأول وهو السياسي في مناطق خفض التصعيد الذي وصل إلى مرحلة جيدة، أيضا التقدم العسكري على كامل الجغرافية السورية. وهذا التصعيد الغربي يأتي في سياق المحاولة للعبث في السياسة الروسية الدولية الضامنة للأمن والسلم العالميين، لأن روسيا نجحت وباقتدار من خلال حضورها على المسرح الدولي بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين، وهذه السياسة استطاعت أن توقف ألسنة اللهب التي تكاد أن تصل إلى أوروبا كفرنسا وبريطانيا وغيرها، وكانت روسيا حريصة منذ بداية الأزمة أن تكون هذه الدول في دائرة العقل، لكنها ذهبت إلى التصعيد، وشاهدنا كيف أرادت هذه الدول إشعال الحرب في أوكرانيا وضرب روسيا في خاصرتها، ثم حاولوا ضرب دور روسيا في سوريا من خلال فرض العقوبات الاقتصادية التي استخدمت ضد بعض الشخصيات الروسية، ومحاصرة الدور الروسي من خلال التصعيد في مجلس الأمن ضد سوريا، حيث استخدمت ذرائع كثيرة كذريعة استخدام السلاح الكيميائي، ولم ترض هذه الدول حتى بإجراء تحقيق نزيه.
وأضاف بسام رجا "إني أرى هذا التصعيد الأمريكي من خلال بريطانيا هو مدروس من قبل الولايات المتحدة، وافتعال قضية تسميم الضابط السابق سيرغي سكريبال والتي ليس لروسيا أي مصلحة فيها، كما أن اتخاذ بريطانيا قرارا بطرد 23 دبلوماسيا روسيا والتصعيد في مجلس الأمن، يأتي ذلك من خارج المنطق السياسي المتعارف عليه بين الدول، كما أن كل ذلك يأتي بسبب الدعم الاستراتيجي الروسي لسوريا والانتصارات التي يحققها الجيش السوري ضد الجماعات الإرهابية، كما أن هذا التصعيد أتى للتشويش على الانتخابات الرئاسية الروسية وأيضا للتشويش على مونديال كأس العالم الذي تستضيفه روسيا وعلى الإنجازات الاقتصادية التي تحققها روسيا، ولا شك أن الرئيس بوتين كان قد قرأ ما تخطط له الدول الغربية ضد روسيا وتحدث عن ذلك كلمته إلى الأمة وعرض التقنيات والأسلحة الحديثة الجديدة الروسية، ولم يكن ذلك من أجل التخويف، بل تحدث عن التطور التكنلوجي للصناعة الروسية والخبرات الدفاعية، وبعد ذلك جاءت رسائل وزارة الدفاع الروسية لكل من يفكر بضرب دمشق أو الخبراء الروس في سوريا، وأن الرد سيكو حاسما".
فيما قال الصحفي الروسي في جريدة "إزفيستيا" أندريه أونتيكوف حول الأسباب الحقيقية للتصعيد الغربي ضد روسيا:
لا شك أن أحد أسباب هذا التصعيد ضد روسيا، هو أن روسيا منعت التدخل الغربي في سوريا لإسقاط النظام فيها، ولكن هناك أسباب أخرى وأهمها هو عودة شبه جزيرة القرم إلى روسيا، وبعدها فرض الغرب عقوبات اقتصادية على روسيا، ورغم أن هناك أصوات في أوروبا تقول إن هذه العقوبات ليست في صالح الدول الأوروبية، كما أن هناك طلب من أجل إلغاء هذه العقوبات، ولكن وبعد حادثة تسميم سيرغي سكريبال سنشهد تصعيدا أكبر ضد روسيا، وسنشهد تبادل للعقوبات بين روسيا وبعض الدول الغربية، لأن الغرب لا يزال متمسكا بسياساته في فرض العقوبات على روسيا لأنها تحافظ على سيادة سياستها فيما يحقق مصالحها، عدا عن ذلك فإنه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي تعودت الولايات المتحدة على قيادة العالم من خلال القطب الواحد، ولكن اليوم وبعد التدخل الروسي الشرعي في سوريا لم تعد سياسة القطب الواحد بقيادة أمريكية سائدة، وروسيا في عقيدتها الجديدة تصر على أن يكون العالم متعدد الأقطاب واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها، وكل ذلك يتعارض مع سياسة الولايات المتحدة التي تشعل الحروب في العالم من أجل تحقيق أهدافها".
وأضاف أونتيكوف "أن الغرب يريد معاقبة روسيا، ولا يريد أن تكون روسيا لاعبا في حل القضايا الساخنة في العالم".
فيما اعتبرت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أن الغرب يحاول الربط بين قضية تسمم العميل الأمريكي السابق في بريطانيا سيرغي سكريبال، وهجمات كيميائية يشاع عنها في سوريا.
وتساءلت زاخاروفا: "ما المنطق الذي استمعنا إليه أمس، وما هو المنطق الذي تفرضه علينا ما تسمى بمجموعة الخبراء؟".
وأضافت: "يقولون إن دمشق تستخدم الأسلحة الكيميائية، وروسيا تدعمها في ذلك، فيما الهدف النهائي من وراء ذلك، أن موسكو استخدمت المواد الكيميائية على الأراضي البريطانية".
وتابعت: "انظروا إلى هذا التطابق الممتاز، وإلى أين تؤدي كل هذه التكهنات! إن أحد أهداف هذه الحملة، هو ربط كل هذه العناصر في كتلة واحدة وحياكة ملف كيميائي سوري روسي متكامل. هذا جزء من خطة مدروسة ومعقدة".
وذكّر البيان بالتحذير الذي أطلقته موسكو قبل أيام لواشنطن، من مغبة استغلال استفزازات جديدة ينظمها المسلحون ضد المدنيين باستخدام الأسلحة الكيميائية، لتبرير ضرب دمشق.
واعتبر أن تهديد السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هايلي بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا، وحملة التصعيد التي تخوضها أبرز وسائل الإعلام الأمريكية، "تهدف على ما يبدو، لتهيئة الجمهور لحتمية الضربات الأمريكية".
وأعربت السفارة عن قلقها إزاء الغموض الذي يكتنف موقف واشنطن إزاء الجهات التي تدعمها في معارك الغوطة الشرقية.
وأشار البيان إلى أن "الجهة التي تتزعم ما يسمى بالمقاومة هناك منذ زمن طويل هي "جبهة النصرة"، وهي من يقصف أحياء دمشق، والمرافق الديبلوماسية الروسية، على مدى سنوات عديدة".
بينما اعتبر وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف أن ادعاءات بريطانيا ضد روسيا وقحة ولا تستند إلى أدلة، "ممثلنا في مجلس الأمن الدولي فاسيلي نيبينزيا، حدد، بالطبع موقفنا وردودنا بشكل دبلوماسي ولبق على الاتهامات الوقحة ضدنا، وغير المثبتة، والتي لا أساس لها من الصحة… دعونا لاعتماد آلية ينبغي التحقيق فيها على أساس اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية إلا أن أن المندوب البريطاني رفض هذا الاقتراح".
إعداد وتقديم: نزار بوش