منذ أن جرى الاستفتاء في شبه جزيرة القرم عام 2014 وانضمامها إلى الأم روسيا بدأ الغرب بفرض عقوبات على روسيا وتصعيدا في جميع المجالات، وما زاد هذه العقوبات والتصعيد ضد روسيا الاتحادية هو التدخل الروسي القانوني والشرعي في سوريا، بدعوة من الرئيس السوري بشار الأسد من أجل دعم الدولة السورية والجيش السوري في محاربة الإرهاب الدولي ولا سيما تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة" والجماعات المرتبطة بهما، لكن لم تتوقف الدول الغربية وعلى رأسها بريطانيا والولايات المتحدة عند هذا الحد، بل ذهبت إلى اتهام روسيا باستخدام السلاح الكيميائي في تسميم الجاسوس المزدوج سيرغي سكريبال المنتهية صلاحيته بالنسبة لروسيا وهو الذي سلمته السلطات الروسية للولايات المتحدة في عملية تبادل، أيضا ذهبت الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية إلى اتهام روسيا بأنها تدعم الجيش والسلطات السورية في استخدام السلاح الكيميائية بدون تقديم أي دليل على ذلك، بل اعتمدت الدول الغربية على مقاطع فيديو نشرها ما يسمون أنفسهم معارضة في لندن أو "المرصد السوري" على شبكة التواصل الاجتماعية، واستطاعت لندن وواشنطن أن تجرا خلفهما أكثر من 20 دولة أوروبية لتشن حربا إعلامية واقتصادية ضد روسيا وأيضا ضد سوريا.
وهنا نتساءل كيف يمكن للدول الأوروبية أن تصدق مزاعم بريطانية وأمريكية بدون تقديم الدلائل على اتهام كل من سوريا وروسيا باستخدام السلاح الكيميائي وغيرها من الاتهامات؟
يقول الصحفي والمحلل السياسي أكثم سليمان: إن الدول الغربية تريد أن تكون روسيا ضعيفة تهز برأسها أو تصمت أمام أي تطورات سياسية دولية كما في فترة التسعينيات من القرن الماضي وهي أيضا الفترة التي، انطلقت القوة الغربية الجامحة في العالم واستمرت مع بداية الألفية الثانية، ونحن نذكر ما يسمى الحرب على الإرهاب، والحرب على العراق في عام 2003، ومنذ خطاب الرئيس فلاديمير بوتين في مدينة ميونيخ الألمانية في مؤتمر ميونيخ الأمني عام 2007 حيث أوضح أن هناك تطورات على الساحة الدولية، وروسيا قادمة وترفع صوتها بمحاججة الغرب بطريقة لم يعتد عليها الغرب منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وكل ما بعد ذلك يمكن اعتباره ردا على هذا المارد الروسي القادم، لذلك ما تريده الدول الغربية هو عودة روسيا إلى القمقم وهذا أمر مستحيل بالنسبة لروسيا حتى لو رغبت، فالحجم يفرض نفسه على البلد وليس البلد يختار حجمه على الساحة الدولية أو على ساحات أخرى.
ويجيب أكثم سليمان، عن سؤال إلى ماذا توصل الغرب من خلال هذه العقوبات على روسيا؟ "لو أن الغرب تخلى عن العقوبات واختار طريق الحوار، لكان حفظ مصالحه التي تهمه، لكن للغرب مسارات قد تكون صماء وعمياء أحيانا، يبدأ من الانتقادات الإعلامية ليصل إلى العقوبات الاقتصادية بدون أن يفكر في مآل هذه الأمور، ونذكر كيف فرض الغرب عقوبات على العراق ومن ثم ايران، وهنا نتساءل هل رأينا دولة واحدة تعرضت لعقوبات، خفضت رأسها أو طأطأت رأسها، لم يحدث هذا في التاريخ، فلذلك ما يفعله الغرب ضد روسيا لا جدوى منه، فتجويع روسيا مستحيل، لأن مساحاتها ممتدة وخيراتها كثيرة، لكن يحاول الغرب اتخاذ إجراءات تتناسب مع الانشائية الكلامية التي يتمتع بها فيجد العقوبات هي الطريق الأسهل التي يمكن أن تسوق على مستوى الرأي العام الداخلي من أجل أن تظهر الحكومات الغربية أنها فعلت شيئا ما، لأن الغرب لا يستطيع التحرك عسكريا ضد روسيا.
أكثم سليمان: إن الذي يقوم باتخاذ الإجراءات الاقتصادية ضد روسيا هي نخبة وليست الشعوب في الدول الغربية، لأن الشعوب مشغولة بعملهم من الصباح حتى المساء، فالشعوب الغربية ليست هي المسؤولة عن هذه الإجراءات، بل هي النخبة التي تتواصل مع الولايات المتحدة بشكل قوي جدا، وهذا يعني أن الولايات المتحدة لديها ناسها داخل النخب الأوروبية بعيدا عن المصالح الوطنية لكل دولة أوروبية على حدا، لذلك كل الخطوات التي تتخذها الدول الأوروبية هي بالأساس أمريكية، وتمسي النخب الأوروبية خلف الولايات المتحدة بدون التفكير حتى بالمصالح الذاتية، وفي الحقيقة أنه لا مصلحة للأوروبيين معاداة روسيا، لكن النخب الأوروبية خانت المصالح الأوروبية لصالح مصالح أطلسية، والاستقلالية الأوروبية في اتخاذ القرارت هي ظاهرية، نعم الأوروبيون غير مستقلين بالمعنى الحرفي للكلمة، والأجهزة الأمنية العاملة على الأرض هي الأجهزة الأمريكية التي تصدر الخبر للرأي العام الأوروبي، ومثلا إن رضيت أمريكا عن أحد في المنطقة العربية تجد الغرب كله راضيا عن هذا الأحد، وإذا غضبت عن هذا الأحد فالغرب يغضب عنه.
وأضاف أكثم سليمان، "الشعوب الغربية مغيبة عن الحقيقة بالنسبة لمعاداة روسيا، وهذا مهم بالنسبة للنخب الأوروبية التي يهمها ألا تخرج الشعوب مظاهرات بما يتعارض مع العداء لروسيا".
وعن الاتهامات الغربية لروسيا وسوريا في ما يخص قضية تسميم الجاسوس سكريبال ومزاعم استخدام الكيميائي في دوما، وأين المنظمات الإنسانية والنزاهة الأوروبية قال أكثم سليمان: فيما يخص الحالتين الافتراضيتين إن كان بالنسبة لمزاعم استخدام السلاح الكيميائي في دوما أو إن كان بالنسبة لفرضية تسميم الجاسوس سيرغي سكريبال، تم استخدام وسائل إعلامية ووسائل سياسية أثبتت نجاحتها في الفترة الماضية، حيث أثاروا الفوضى بشكل مفاجئ، وكأن الأمور مؤكدة، فتخرج رئيسة وزراء بريطانيا ووزير خارجيتها ويتحدثون وكأن لديهم من البراهين والدلائل ليقنعوا من لا يقتنع، وعندما يسأل عن هذه البراهين لا يقدمها ولا يعبر عنها، كذلك الأمر بالنسبة لمدينة دوما في الغوطة الشرقية، حيث الاندفاع الفرنسي والأمريكي إلى اتهام سوريا باستخدام الغازات السامة أوحى وكأن الأمور مؤكدة، فتصور أن الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون يتحدث عن دوما بمعلومات ضعيفة وغير مؤكدة، وبعد ذلك تبين أن كل تقارير المخابرات الفرنسية التي رفعت إلى ماكرون قائمة على أساس التصوير الذي جرى في ذلك المكان، أي أنها معلومات متوفرة لأي إنسان في الشبكة العنكبوتية وليس فيها أي سر، ولا توجد مخابرات فرنسية في دوما وليس لديها عميل خاص، لكن الشعوب الأوروبية تتلقى الصدمة ولا تتابع التفاصيل بعد ذلك، ولا تسمع أن أكثر من 40 ألف مواطن يعودون إلى بيوتهم في الغوطة بعد تحريرها من الإرهابيين، كما سابقا فهذه الشعب سمعت أن حلب يتم تدميرها، ولم تسمع بعد ذلك أن 600 ألف مواطن عادوا إلى مدينتهم حلب وحياتهم آمنين بعد انتهاء المعركة، لكن أؤكد أنه بدأ التململ لدى الشعوب الغربية وأن ثمة شيء غير صحيح في كل هذه القصص.
الغرب يريد أن يكون كل الشرق الأوسط تحت سيطرته بما فيه سوريا، وربما هناك جولة جديدة من التصادم والتنافس في العالم والشرق الأوسط، وكلنا يعرف بعد أن تحرر 95% من الغوطة خرج علينا الغرب بمزاعم ضربة كيميائية، لم يسمع بها حتى أهالي دوما، ولا الروس ولا السوريين، ولكن اختلقت الولايات المتحدة هذه الصور وهذه الكذبة لاستعادة نفوذها وتنفيذ ضربة بالصواريخ والدخول من خلالها إلى غرفة المفاوضات.
وهنا لا بد من التذكير بما قاله مندوب روسيا لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ألكسندر شولغين، "إنه رغم مرور شهر على مزاعم لندن باستخدام روسيا لـ"الكيميائي" في قضية سكريبال، فإن بريطانيا لم تقدم دليلا على ذلك.
وقال شولغين: "لقد مر شهر على ادعاءات رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، الخطيرة تجاه روسيا بشأن الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية.. انتظرنا وقتا طويلا للتوضيح، آملين من أن يتمكن زملاؤنا البريطانيون بشكل ما من دعم تصريحاتهم الرنانة ببعض الحقائق الواضحة.. دعوناهم مرارا للعمل معا للتحقيق في الأحداث في سالزبوري، طلبنا المعلومات.. وردا على ذلك (حصلنا على) تصريحات متغطرسة ومتعجرفة.. وكما يقولون، يجب على روسيا الاعتراف بالجريمة".
وقال: "أورد جملة تعود إلى المفكر الكبير مارتن لوثر.. (إن الكذب مثل كرة الثلج: كلما تدحرجت تصبح أكبر.. مقولة حكيمة تنطبق بالكامل على السياسة.. كل من يشرع في طريق الخداع، يضطر للكذب مرارا وتكرارا، ويضطر لاختراع التفسيرات لعدم التناسق، والانخراط في التضليل والتزوير".
وأضاف: "وقد اتخذت المملكة المتحدة الآن، هذا الطريق الزلق. كل هذا نراه بوضوح، في ضوء ما يسمى بقضية سكريبال الملفقة من قبل السلطات البريطانية.. هذه قضية مختلقة تعتبر استفزازا معاديا لروسيا، مصحوبا بحملة دعائية غير مسبوقة، التقطتها مجموعة من الدول".
وتابع: "الكذب دائما يهاب الحقيقة، لأن الحقيقة — أكثر الأسلحة إخافة للأكاذيب.. لذلك، دعونا ننتقل إلى الوقائع المجردة، التي تظهر أن الحكومة البريطانية تنشر تلميحات حول قضية سكريبال دون خجل وفجاجة".
وتابع شولغين: حاليا، السلطات البريطانية، تخفي يوليا سكريبال عن وسائل الإعلام والجمهور. مكان وجودها مجهول. يمنع الجانب الروسي وأقاربها (ابنة عمها فيكتوريا، منعتها السلطات البريطانية من الحصول على تأشيرات دخول إلى بريطانيا) من الوصول إليها. لا تتاح لها الفرصة للعودة إلى روسيا وإجراء الفحص الطبي والعلاج.
وتشير هذه الظروف إلى أن المواطنة الروسية يوليا سكريبال، في الواقع رهينة لدى السلطات البريطانية، ومحتجزة بالقوة، وواجهت تأثيرات نفسية.
بعد كل ما تقدم هل سنرى تفاهما روسيا أمريكيا لحل المسألة السورية وقضايا ساخنة أخرى، سؤال ربما ستجيب عنه الشهور القادمة؟
إعداد وتقديم نزار بوش
