منذ أن تم الاتفاق بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان على إنشاء منطقة منزوعة السلاح بعمق 15-20 كم تفصل بين الجيش السوري والجماعات المسلحة الإرهابية في إدلب، إضافة إلى نزع الأسلحة الثقيلة من يد الجماعات الإرهابية في إدلب وريفها، وهذا ما سيتكفل به الطرف التركي حسب ما جاء في بنود الاتفاق، بدأت بعض القنوات الإعلامية بالترويج إلى أن اتفاق سوتشي هو خسارة للدولة السورية وأن السلطات السورية لم تستشر فيما تم التوصل إليه بين الرئيسين التركي والروسي، لكن المسؤولون الروس وعلى أعلى المستويات يتحدثون عن التواصل مع القيادة السورية ويجري التشاور مع دمشق ساعة بساعة، وكل ما تم الاتفاق عليه جاء بعد موافقة القيادة السورية، وما إن انتهت قمة بوتين — أردوغان حتى نفذت إسرائيل عدوانا على الأراضي السورية وتحديدا في محافظة اللاذقية، تسبب بإسقاط طائرة استطلاع روسية من نوع ايل20 في مياه البحر المتوسط قبالة السواحل السورية ومقتل 15 جنديا وضابطا روسيا، فهل هناك علاقة بين ما تم الاتفاق عليه بين بوتين وأردوغان والعدوان الاسرائيلي وتوقيته على الأراضي السورية، وما هو مستقبل إدلب وما هي الأهداف الاستراتيجية من اتفاق سوتشي، وكيف نفسر تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أعلن أن الولايات المتحدة ستتخذ قرارا قريبا بشأن وجود قواتها في سوريا، بعد القضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي؟
يقول الدكتور نضال قبلان: أعتقد أن مصير إدلب هو عودة هذه المحافظة وريفها إلى السيادة السورية في نهاية الأمر، لكن على مراحل نظرا للكثافة السكانية الكبيرة الموجودة فيها، إضافة إلى تواجد مئة ألف مسلح تم ترحيلهم من مختلف المناطق والمحافظات السورية من خلال مصالحات سابقة، كما أن هناك 30 ألفا من الإرهابيين المتشددين من تنظيم "جبهة النصرة" الإرهابي ومن الجيش التركستاني والأوزبيك وغيرهم من الإرهابيين الذين قدموا من مختلف أصقاع الكون، لذلك كان لا بد من توليفة معينة تمهيدا لتسوية نهائية في إدلب، وكان الرئيس بشار الأسد أعلن أن خيار الدولة السورية هو استعادة أي منطقة في سوريا إذا أمكن ذلك من دون حرب ومن دون سفك مزيد من الدماء، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بمحافظة مع أريافها مثل إدلب، وبالتالي فإنه من حيث الجوهر ورغم تحفظ الكثيرين من السوريين على اتفاق سوتشي، ورغم معارضة الشعب السوري لمبدأ المصالحة مع هذه التنظيمات الإرهابية، لكن وكلنا يعرف أن الجيش السوري والدولة السورية يحاربان منذ ما يقارب ثمان سنوات على امتداد آلاف الكيلومترات من الأراضي السورية في مئات الجبهات يوميا، لذلك إن أمكن للجيش والدولة استعادة أي جزء من الأراضي السورية بدون حرب ومن دون دم فأهلا وسهلا، فهذا قرار مبدئي اتخذته القيادة السورية وأعلنته جهارا نهارا، فالاتفاق في سوتشي من حيث المبدأ ليس كاملا وليس كما يشتهيه السوريون، لكن في الجوهر، الأهم في هذا الاتفاق هو ما لم يعلن عنه في قمة بوتين وأردوغان، وقد تم إعلان الخطوط الرئيسية في هذا الاتفاق، لكن أعتقد بأن جلسة الرئيسان خلال أربع ساعات ونصف تطرقت إلى ما هو أعمق ما تم الإعلان عنه، فاليوم نقرأ تسريبات لم تتأكد بعد حول اتفاق بين الرئيسين الروسي والتركي فيما يخص ريف حلب، والاتفاق على انسحاب الجماعات الإرهابية من مناطق الشمال والشمال الشرقي في ريف حلب، كحي الزهراء والليرمون وكفر حمرا وضهرة عبد ربه وعدد من القرى الأخرى وانسحاب الجماعات المسلحة إلى بلدة حريتان، وهذه المناطق ستكون فيها نقطة مراقبة روسية، وأيضا ستكون هناك نقطة مراقبة تركية، وبالتالي هنالك اتفاق على منح هذه التنظيمات حتى منتصف الشهر العاشر الانسحاب إلى حريتان تمهيدا لتسوية شاملة وهذا هو الهدف الاستراتيجي لهذا الاتفاق، وليس كما تتحدث بعض وسائل الإعلام المعادية والغربية بأن هذا الاتفاق حصل بدون موافقة الرئيس الأسد، ولكن أجزم بأن التنسيق الروسي السوري هو في أعلى مستوياته ومستمر على مدار الساعة وعلى مختلف المستويات العسكرية والأمنية والسياسية والقيادية، وبالتالي فإن زيارة وزير الخارجية السورية وليد المعلم إلى موسكو، تأتي في سياق تبادل وجهات النظر والتنسيق بين القيادتين الروسية والسورية، وترحيب الخارجية الايرانية بهذا الاتفاق تؤكد أنه لا يجري شيء من فوق رأس أحد، بل بالعكس هناك انسجاما بين المساعي الروسية والأهداف الاستراتيجية السورية إضافة إلى التنسيق مع الحليف الأيراني لاستعادة كامل الأراضي السورية إلى كنف الدولة، وإدلب ليست استثناء لهذه القاعدة.
وقد جاء صحيفة نيزافييسمايا غازيتا الروسية: أن اتفاق سوتشي ليس نهائياً، وستنطلق العملية العسكرية في إدلب للقضاء على الإرهابيين في المستقبل القريب، بعد تليين دفاعاتهم وانتظار انقلابهم على بعض، وتسليمهم للسلاح الثقيل.
ويتابع الدكتور نضال قبلان: من إنجازات اتفاق سوتشي أنه أسقط ورقة كيماوي هذه المسرحية الممجوجة، حيث كانت الولايات المتحدة تخطط لاستخدامها كذريعة لتنفيذ عدوان كبير على سوريا، فلذلك لا بد للكيان الصهيوني أن يطل برأسه استنكارا لهذا الاتفاق الذي أسقط عمليا ورقة كبرى من أيدي أعداء سوريا، فكان لا بد من القيام بعمل عدواني استعراضي والاعتداء على الأراضي السورية في محافظة اللاذقية، لكن الكيان الاسرائيلي ارتكب حماقة كبرى بتوقيت وتنفيذ هذا العدوان، مما أدى إلى التسبب في إسقاط طائرة روسية واستشهاد 15 ضابطا وجنديا روسيا، امتزجت دماؤهم بدماء شهداء سوريا من عسكريين ومدنيين، نتقدم بأحر مشاعر العزاء للأصدقاء الروس وذوي الشهداء، لا شك أن روسيا لن تسكت على هذه التصرفات الاستفزازية الاسرائيلية، كما سمعنا وزير الدفاع الروسي حين قال لوزير الدفاع الاسرائيلي: إن روسيا لن تبقى بدون رد على هذا العمل الاستفزازي، ومن المعروف أن الأصدقاء الروس يفكرون بعقل بارد، لكن ردهم يمكن أن يكون مزلزلا أو مدمرا بدون صخب إعلامي.
وأضاف فيكتور خوستوف: "إن تصريحات وكلمات العزاء الاسرائيلية بهذه البساطة، ستكون قليلة بالطبع تساهلنا مع إسرائيل وأطلق لهم العنان! وعندما نسأل لماذا نسمح لهم باختراق المجال الجوي السيادي لسوريا؟ نجيب بطريقة: إن دفاعاتنا الجوية لا تغطي سوى قواعدنا في حميميم وطرطوس ومجموعتنا البحرية في طرطوس، لكن بعد هذه المأساة، سيكون من المنطقي أن نعلن عن إغلاقنا سماء سوريا بوجه الضيوف غير المدعوين وسنقوم بالتعامل معهم كطائرات معادية، في هذه الحالة، بطبيعة الحال، سنكون بحاجة لثلاثة أضعاف أنظمة الدفاع الجوي الموجودة بحوزتنا حاليا لإغلاق كامل الفضاء الجوي فوق سوريا.
وتعيلقا على تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أعلن أن الولايات المتحدة ستتخذ قرارا قريبا بشأن وجود قواتها في سوريا، بعد القضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي.
لا شك لو أن القوات الأمريكية انسحبت من سوريا، سيعد ذلك تسليما من جانب الولايات المتحدة الأمريكية بأن سوريا انتصرت في حربها على الإرهاب، وأن الحرب هناك كانت بين دولة وحلفائها، وبين تنظيمات إرهابية تلقت دعما لتلعب دورا قذرا، وليست معركة ديمقراطية أو حريات كما وصفها الأمريكان في البداية".
وبالتالي سيحتفل الروس والسوريون والإيرانيون بالنصر على الجماعات الإرهابية التي دعمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها منذ بداية الحرب على سوريا، وهذا لا يروق لصقور الحرب في البنتاغون وفي بريطانيا وبعض دول المنطقة.
إعداد وتقديم نزار بوش