وتسببت مرض "كوفيد-19"، في وفاة وإصابة الملايين حول العالم، تاركين خلفهم أضعاف تلك الأعداد من الحزاني والمكتئبين على فقد أحبائهم، غالبًا ما يعجز الأشخاص الذين يعانون من هذا الألم الشديد عن ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، وإذا طالت فترة تلك الحالة النفسية لعدة شهور فإنها تسمى "اضطراب الحزن المُطَوَّل"، بحسب موقع "scientificamerican".
ما هو اضطراب الحزن المطول؟
وتصل فترة اضطراب الحزن المطول إلى سنة كاملة وفقًا لتقديرات أمريكية، أو ستة أشهر، وفقًا للمعايير الدولية، حيث ترى كاثرين شير، الطبيبة النفسية في كلية الخدمة الاجتماعية بجامعة كولومبيا ومؤسسة مركز الحزن المعقد: إن هذه الحالة أسوأ بكثير من الحزن الطبيعي، "للجائحة أبعاد كثيرة قد تنطوي على مخاطر بالنسبة لمَن يواجهون صعوبةً في التكيف مع الفقد".
وتوقع الخبراء ارتفاع أعداد من يعانون اضطراب الحزن المُطَوَّل بشكل هائل، إذ تشير الإحصائيات إلى أن كل حالة وفاة ناجمة عن الجائحة في الولايات المتحدة تترك خلفها في المتوسط نحو تسعة من أقاربه حزانى.
وتوقعت شير أن يضرب اضطراب الحزن المطول المجتمعات منخفضة الدخل وأصحاب البشرة الملونة بصورة أكثر عنفًا من غيرهم، وللأسف فإن هذه المجتمعات ليس لديها ما يكفي من موارد الصحة النفسية.
يعزز الرغبة في الانتحار
وترى ماري فرانسيس أوكونور، أخصائية علم النفْس الإكلينيكي بجامعة أريزونا، أن الآثار الصحية للاضطراب قد يؤدي إلى تفاقم الرغبة في الانتحار، وإساءة استخدام المواد المخدرة، كما يوجد أيضًا ارتباط بين هذا الاضطراب وإصابة أجهزة الجسم بالضرر العام.
وكشفت أوكونور عن أن الأشخاص من يعانون من الحزن المطول لديهم مستويات أعلى من الالتهابات، ولا سيما تلك المرتبطة ببروتينات السيتوكين من نوع "إنترلوكين-6"، المرتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وتشير أوكونور إلى أن الحزن النفسي والاجتماعي طويل الأجل يؤدي إلى حالة مؤذية من "الإنهاك" الجسدي، وهي حالة معروفة من الإجهاد البيولوجي المطول.
وحللت شير ظروف الوفيات المؤدية إلى اضطراب الحزن المطول، حيث تقول إن تلك الوفيات تحدث على بشكل سريع ودرامي كما أن وفاة المريض تحدث في عزلة تامة دون أن يكون على اتصال بأحد أفراد أسرته قبل الموت أو في أثنائه، ما قد يؤدي إلى نزوع الشخص المكلوم إلى إطالة التفكير في السيناريوهات البديلة.
تتسبب ظروف الوفاة في عرقلة تقبل أهل المتوفى حقيقة الفقد، تقول أوكونور: "إن الأقارب غالبًا ما يتساءلون: "ماذا لو كنت فعلت هذا؟ ماذا لو فعل الطبيب ذلك؟"، ثمة عدد لا حصر له من الأشياء التي كان يمكن أن تحدث، ويبدو أن إطالة التفكير في هذه الأشياء تعوق الشخص المكلوم عن العودة إلى حياته الطبيعية".
وبحسب شير فإن الضغوط الأخرى التي تفرضها الجائحة، مثل المشكلات المالية، والمخاوف المتعلقة بالصحة والسلامة تقلل فرص التأقلم مع الفقد أكثر صعوبة؛ لأنها تشغل الناس عن التعامل مع حدث الفقد، ويؤثر هذا أكثر ما يؤثر على الأشخاص في المجتمعات الأكثر تضررًا من الجائحة.
العلاجات المتاحة
توصل العلماء إلى علاجات فعالة للحزن المُطَوَّل، لكن يعيبها أنها تتطلب شهورًا من العلاج النفسي، ومن بينها:
أن يواجه المعالجون في أوروبا الاضطراب بإخضاع المرضى لأكثر من شهرين من جلسات العلاج الجماعي والفردي لمعالجة سلوكياتهم واستجاباتهم.
طورت مجموعة شير في جامعة كولومبيا بروتوكول علاج فردي يستغرق 16 أسبوعًا ويركز على التأقلم مع الفقد، وقد جرى التحقق من فاعلية هذا البروتوكول من خلال الأبحاث.
وتنصح ميز باتباع طرق علاج غير مكثفة يمكنها أن توفر بعض المساعدة، مثل العودة الآمنة إلى ممارسة الطقوس المعتادة، وتوفير الدعم المجتمعي، والمواساة الجمعية وتبادل الحديث عند فقد شخص بسبب الجائحة.
كما ترى ميز أن تخفيف الضغوط الثانوية مثل نقص الطعام، يمنح فرصة أفضل للتعافي من الفقد، تقول أوكونور: "أي شخص يتوافر لديه ما يكفيه من الأساسيات، مثل المأوى، والغذاء، ومكان لرعاية الأطفال، سيفاجأ بأن لديه القدرة على استيعاب حقيقة فقد أمه مثلًا".