وكان أدريان نيل ضمن نحو 150 شخصا آخرين، احتموا بأحد فنادق مدينة "بالما" الساحلية في آذار/ مارس الماضي، تحسبا من بطش المسلحين، الذين حاصروا الفندق وأطلقوا الرصاص في كل اتجاه.
ولم يكتب القدر لأدريان، الذي عاد إلى بلاده من جمهورية الكونغو الديمقراطية، قبل عدة شهور من مقتله، الاحتفال بعيد ميلاده الحادي والأربعين.
وأصدرت منظمة العفو الدولية تقريرا، مؤخرا، اتهمت فيه شركة خاصة عسكرية تتعامل معها حكومة موزمبيق، بأنها اهتمت بأرواح الكلاب وأصحاب البشرة البيضاء فقط، خلال عملية الإنقاذ.
لكن ويسلي نيل عارض هذا التقرير، مرجحا بأنه يحمل تحاملا على مجموعة "دايك" الاستشارية الجنوب أفريقية العسكرية، التي كانت قد تعاقدت معها الحكومة في موزمبيق، لتنفيذ عملية الإنقاذ.
وقال ويسلي نيل للوكالة، "أعتقد أن منظمة العفو الدولية متحاملة بشكل ما على مجموعة دايك، لأن التقرير لم يكن دقيقا. نحن دليل حي على ذلك. في الخامس والعشرين من [آذار] مارس، وصلت مروحيات وأجلت 24 شخصا لديهم ظروفا مرضية. أحدهم كان مريض بداء السكر، ولا يمتلك علاجه من الأنسولين؛ كما كانت الأولوية للنساء والأطفال".
وأوضح، أن أول من تم إنقاذهم كانوا 6 أجانب و18 مواطنا محليا؛ مشيرا إلى أن حوالي 175 شخصا كانوا مختبئين في فندق "أمارولا" بمدينة بالما. وتحدث نيل عن الشعور بالإحباط الذي سيطر عليهم حينما لم تعد المروحيات مجددا في نفس اليوم، بسبب أزمة في الوقود.
ولم يكن لدى المتمردين أدنى فكرة حول ما إذا كان من بداخل الفندق يمتلكون أسلحة أم لا، ولذلك يقرروا اقتحام المكان؛ بحسب ويسلي نيل.
وأوضح أن المحاصرين استلقوا على الأرض للاحتماء من الرصاص، فيما استمر المسلحون في الخارج بإطلاق النار من الطرقات المحيطة بالفندق؛ وحينما وصلت المروحيات أطلقوا الرصاص نحوها أيضا.
تواصل ويسلي نيل وبعض ممن كانوا معه، مع المسؤول الأول في شركة "توتال" في موزمبيق؛ لكن الإجابة كانت، إن عليهم محاولة التواصل بالأشخاص المسؤولين في الحكومة.
وبين ويسلي نيل، أنه حينما قال لهذا المسؤول في "توتال"، "أنتم تتركوننا هنا لنُذبح"، أغلق الهاتف في وجهه.
رفضت "توتال" أيضا تزويد المروحيات بالوقود لمساعدة المحاصرين بداخل الفندق، بحسب ويسلي نيل؛ وكان من بين أعذارهم الوضع الوبائي، وأنهم ربما يتحولوا إلى أهدافا للمسلحين المتمردين، حال قدموا المساعدة للمحاصرين بالفندق.
نحو 150 شخصا استقلوا عددا من السيارات، بعد وضع خطة للخروج من مسرح العملية، الذي يحيط به مسلحون يطلقون النيران.
وتابع ويسلي نيل قائلا، "تحركوا في الرابعة مساء، لكن المحليين من المحاصرين كانوا يشعرون بالرعب، من أنه بذلك سيتم تركهم لمصيرهم بعد رحيل العمال والأجانب".
تحركت المركبات، وعند أول كيلومتر كان الكمين الأول للمتمردين في انتظارهم، وتلقوا وابلا من الرصاص وسقط مصابين؛ وبعد 3 أو 4 كيلومترات كان الكمين الثاني من المسلحين، وتم إطلاق النيران مجددا.
واستمر الأمر على هذا المنوال؛ وفي إحدى المرات أصيب أدريان نيل بالرصاص، وفارق الحياة على الفور؛ حيث كان يقود إحدى المركبات، ليتولى بعدها شقيقه القيادة.
وقال ويسلي نيل مسترجعا مشهد مقتل أخيه، "قفزت إلى مقعد القيادة، وقدت .. ولم نمر بكمائن أخرى للمسلحين. كان مقررا أن نصل إلى نقطة عسكرية قبل التحرك سيرا على الأقدام، ليتم إنقاذنا".
فقد أدريان نيل وظيفته كسائق في جمهورية الكونغو الديمقراطية بسبب الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة في أعقاب تفشي وباء "كوفيد 19"، ليعود مجددا إلى وطنه للعمل في مجال الإنشاءات مع والده وأخيه، في مدينة بالما الساحلية الغنية بالغاز الطبيعي.
ويشغل الفارون من جحيم "بالما" مناطق خالية في منطقة بيمبا الساحلية (حوالي 400 كيلومترا عن بالما)، عاصمة مقاطعة كابو ديلغادو، التي تتعرض مناطق فيه لهجمات من متطرفي حركة الشباب التابعة لتنظيم داعش (المحظور في روسيا وعدد كبير من دول العالم).
وينتمي المسلحون المتطرفين إلى ما يسمى بـ "حركة الشباب"؛ لكنهم يختلفون عن "حركة الشباب" الصومالية.
وبلغ عدد النازحين بسبب الهجمات في كابو ديلغادو من متطرفي "الشباب" أكثر من 700 ألف شخص.
وكثرت الهجمات التي تشنها جماعة الشباب المسلحة في المنطقة؛ وغالبا ما تتعرض النساء والأطفال لخطر الاختطاف.
وكانت الاشتباكات، التي استمرت 3 أيام، في آذار/مارس الماضي، وتم خلالها استخدام مختلف أنواع الأسلحة، انتهت بسيطرة المسلحين المتشددين على المدينة الساحلية، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 75 ألفا.
وأسفر الهجوم، بحسب تقارير صحفية، عن مقتل 55 شخصا على الأقل من جيش موزمبيق، ورعايا الدول الأجنبية.
ولا يعرف العدد الحقيقي للضحايا في "بالما"، حيث أن الكثيرين ما زالوا في عداد المفقودين؛ وقتل 7 أشخاص أثناء محاولتهم الفرار من الفندق المحاصر.
وتسببت الهجمات التي ينفذها المسلحون على القرى والبلدات في هذه المنطقة، خلال السنوات الأخيرة، بمقتل العديد من الأشخاص، ونزوح آلاف السكان.