حماقة ترامب جعلته يعتقد أن بإمكانه دون قيود أو ضوابط، انتهاز تأثر الرأي العام الأميركي جراء الجريمة الإرهابية التي وقعت الأسبوع الماضي في كاليفورنيا، على يد زوجين مسلمين أميركيين متطرفين، وراح ضحيتها 14 قتيلاً والعديد من الجرحى، بالإضافة إلى تداعيات الجريمة الإرهابية البشعة التي حدثت في باريس، الشهر الماضي، وأوقعت 130 قتيلاً وعشرات الجرحى، واستطاع اليمين الشعبوي المتطرف في فرنسا، ممثلاً بحزب "الجبهة الوطنية"، أن يستغلها في دعايته لتحقيق المركز الأول في الانتخابات المحلية في البلاد.
ومما لا شك فيه أن كل جرائم الإرهاب يجب أن تلقى أشد أشكال الإدانة والاستنكار، وأن تتوحد كل الجهود، وجهود المسلمين في المقدمة أولاً، لمكافحة التطرف والإرهاب وتجفيف منابعه، كما أن أي جريمة تودي بحياة إنسان يجب أن تلقى إدانة شديدة، بصرف النظر عن أسباب ارتكابها ومن ارتكبها، لأن الحفاظ على الروح الإنسانية في أعلى هرم القيم والمبادئ والتشريعات والقوانين الإنسانية.
لا أخلاقية موقف ترامب، وصقور الحزب الجمهوري الأميركي، إزاء هذه القضية تكمن في أن عدد الأميركيين الذين لقوا مصرعهم بأسلحة نارية تجاوز 150 ألف شخص منذ عام 2002، أي أنه يبلغ أربعين ضعف ممن قتلوا في أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 في نيويورك، وأضعاف مضاعفة لعدد العسكريين الأميركيين الذي قتلوا في العراق وأفغانستان، حسب الأرقام الرسمية الأميركية.
المثال المذكور لا يهدف إلى التقليل من بشاعة جرائم الإرهاب، بل إلى المعايير المزدوجة لدى النخب السياسية الأميركية، التي لا ترى في جريمة تطرف، ارتكبها زوجان مسلمان أميركيان، سوى فرصة للعب على حبال (الإسلاموفوبيا)، وتذخير خطاب الكراهية ضد المسلمين، وما نطلبه من ترامب وأمثاله أن يقفوا ضد جرائم فوضى السلاح في الولايات المتحدة بالشدة ذاتها التي يواجهون فيها العمليات التي يقوم بها إرهابيون متطرفون.
وعموماً، لا يمكن أن ينظر لتصريحات ترامب العنصرية سوى باعتبارها دليلاً جديداً على الدرك الأسفل الذي وصل إليه النظام السياسي الأميركي، حيث بات بمقدور شخص مثل ترامب أن يصل إلى موقع متقدم في السباق التمهيدي للانتخابات الرئاسية.