وهنا لابد من إلقاء الضوء على حقيقة ما جرى ويجري حول العاصمة دمشق والإجابة على التساؤلات التالية بالدرجة الأولى:
أولاً: من هي القوى المسلحة التي تحركت في الهجوم على دمشق وعلى أية محاور ومالذي استطاعت تحقيقه وبالمجمل حقيقة ماجرى يوم أمس ؟
ثانياً: بما أن جبهة النصرة كانت هي رأس حربة هذا الهجوم على العاصمة دمشق ، ماهي أهدافها من هذا الهجوم الفارغ أصلاً وهي تدرك استحالة تحقيق خرق ، فلماذا الانتحار على أسوار دمشق ؟
وبالتالي ما هي القراءة السياسية لمنعكسات ما يجري والمتغيرات الكبرى الجارية في ظل التحضير الإقليمي والدولي لعدد من الإجتماعات واللقاءات الخاصة بالقضية السورية في واشنطن وجنيف وأستانة وطهران ، وبطبيعية الحال لقاء القمة العربية في الأردن الأيام القريبة المقبلة ؟
يقول الخبير العسكري الإستراتيجي اللواء محمد عباس:
يوم أمس في الساعة الخامسة والنصف فجراً تحركت عربات مفخخة معادية بإتجاه تمركز قواتنا المسلحة ، وكان الجيش قد تمكن من إحداها بينما إستطاعت إثنتنان منهما الإقتراب من مواقع قواتنا المسلحة ، والمجموعات المعادية كانت تضم عربات شيلكا ، ودبابات ، ومدرعات ، وتقدمت تحت تغطية نيران المدفعية والهاونات والتأثير الناري ، في الحقيقة كان هناك هجوماً مخططاً بشكل فاعل وكبير جداً ، وأريد لهذا الهجوم أن يحقق خرقاً بإتجاه عقدة القابون ، كما أراد منفذوه أن يحدثوا تحولاً نوعياً في السيطرة على مدخل مدينة دمشق.
وأردف اللواء عباس قائلاً: المجموعات الإرهابية المسلحة وفق بياناتها أرادت أن تشتت جهود القوات المسلحة العاملة على على جبهة القابون وإتجاه حي تشرين ، وأرادوا أن يجعلوا من القابون وجوبر جبهة واحدة ، بحيث يتوسع العبء على قواتنا المسلحة من أجل تحقيق خرق بإتجاه القابون وساحة العباسيين ، وهذه كلها أهداف عسكرية أرادوا تحقيقها من هذا الهجوم ،لكن كأهداف سياسية لهذه العملية فقد أرادت هذه الميليشيات أن تثبت لمشغليها أنها قادرة بالفعل على تنفيذ المهام الموكلة إليها ، وأنها تستحق المال السياسي الذي يدفع لها.
وإستطرد اللواء عباس قائلاً: في البداية وبالرغم من أنهم حققوا مفاجأة ، للوهلة الأولى فشلوا ،لكن هذه المفاجأة كانت فقط لتغطية الدفاع للقوات الصديقة ،ولم تستطع هذه المجموعات المسلحة أن تحقق أي تقدم على الإطلاق يمكن أن نسميه على المستوى التكتيكي والعملياتي أو الإستراتيجي ، وبالتالي كما قلنا لقد فشلوا فشلاً ذريعاً.
وأكد اللواء عباس أن جميع المواقع التابعة للجيش العربي السوري ثابتة ، وحدث فقط خرق واحد في أحد المواقع ، والآن تقوم القوات السورية بإستعادة هذه النقطة في المغازل والمناسج فقط ، ولم يحدث أي تغيير في خطوط التماس أو الخطوط الأخرى على الإطلاق.
وحول البيانات والإعلانات التي صدرت من مجموعات إرهابية مسلحة أخرى في ريف دمشق وخاصة الغوطة بخصوص تشكيل جبهة دعم لهجوم النصرة وإعادة محاولة إختراق العاصمة دمشق قال اللواء عباس:
قيل أن هيئة تحرير الشام "جبهة النصرة " ، وفيلق الرحمن ، وجيش الإسلام ، ومجموعات مسلحة أخرى شكلت تحالفاً وأرادت أن تحدث مفاجأة وتقوم بغزوة جديدة على دمشق.
وقال اللواء عباس: هؤلاء الإرهابيون ليس لهم مكان على أسوار دمشق ، ولا على أعتابها ، ولا حتى في قاع صفصف من قيعان دمشق ، هم تقدموا ووصلوا إلى أعتاب دمشق لكنهم هزموا شر هزيمة ، وقتل عدد كبير منهم ودمرت ألياتهم ومعداتهم وهم يفرون أما الجيش العربي السوري في كل مكان.
أما عضو المركز الدولي للدراسات الأمنية والجيوسياسية سومر صالح فقد قال بهذا الصدد:
ما جرى البارحة على أسوار دمشق هو محاولة من جبهة " النصرة" لإعادة إنتاج نفسها ، وتسويقه قبيل إجتماع العرب في قمة عمان المقبلة(23-29) آذار الجاري، وتصوير نفسها على أنها القوة الأكثر فاعلية في الحرب على الدولة السورية، في محاولة منها لحماية نفسها ، وتجنيب نفسها الضربات الجوية الروسية عبر العمل على تمييع سياق أستانة ، الذي دخل مرحلة حاسمة في إجتماع استانة "3" ، والبدء فعليا بتجهيز خرائط فك الإرتباط بين الفصائل و تلك الجبهة ، وهو ما سيتم في اللقاء التقني للدول الضامنة لهذا السياق في نهاية الشهر الحالي في طهران.
وتابع الخبير صالح يقول: من جهة مقابلة تغازل النصرة إجتماع واشنطن في 22/2/2017 لمحاربة داعش، وبالتالي قدمت النصرة نفسها على طاولة البحث العربي و الدولي مجددا بديلا لحركة "أحرار الشام" التي تتبناها واشنطن، ولكن الفشل العسكري الذي منيت به ليلة البارحة ، دفع زعيم ميليشيا جيش الاسلام إلى الخروج ليلا واضعا علم (الانتداب الفرنسي) ، الذي تعتمده المعارضة ، كتعبير منه عن النأي بالنفس عن عن الجبهة ، بعد خسارتها المعركة في جوبر كي يجنب نفسه التداعيات التي حدثت، علما أن تلك الميليشيات كانت حاضنا لما حدث البارحة خصوصا في القابون.
أما بخصوص جينيف "5" فقد أكد الخبير صالح أن الأمر لا يحتاج الكثير من التأمل ، فما حدث في جينيف "4" كان واضحا ، فتعريف الإرهاب الذي أحيل الى إجتماعات "أستانة" لم يتم انجازه ، وبالتالي جينيف"5" مراوحة في المكان إلى ما بعد إجتماعات طهران للخبراء التقنيين ، وتبني هذه النتائج في استانة "4" في (3-4/ ايار) القادم.
وختم صالح قائلاً: هذا إن ذهب وفد الهيئة العليا أصلا الى تلك المحادثات، وعليه جينيف"5" بانتظار حسم جملة من المتغيرات ، بدءاً من شكل التحالف الذي ستقوده واشنطن في الرقة، وثانيا نتائج إستفتاء تركيا على دستورها الذي سيحسم شكل السياسة الخارجيةة التركية ، وصولا إلى لقاءات اأستانة "3" بجولتها الفنية، وبين هذا وذاك يبقى الميدان سيد رسم أطر الحل في سورية.
إعداد وتقديم: نواف إبراهيم