نلقي الضوء اليوم على التطورات الجارية على الجبهة الشمالية السورية، التي تتقاطع فيها محاور الحرب على الإرهاب، ولكن بمفارقات كبيرة في السلوكيات الميدانية لكل طرف، في ظل تشابك التحركات على الأرض دون الوقوع في المواجهات المباشرة بين الأطراف، التي تريد أن تحقق لها أهدافاً بعضها واضح وبعضها غامض حتى اللحظة.
بطبيعة الحال نقصد هنا الجانبين التركي والأمريكي، حيث أن الجانب التركي حتى اللحظة لم يستطع أن يحقق أي من أهدافه، سوى التخبط على الأرض السورية، التي اخترق سيادتها بشكل سافر ومخالف للقانون الدولي في الاعتداء على سيادة دولة جارة دون التنسيق مع حكومتها. وعلى المنقلب الآخر نرى الولايات المتحدة الأمريكية تعمل بشكل مستقل ومنفرد مع الجميع، وضد الجميع لتحقيق أي تواجد لها على الأرض، من خلال بناء قواعد عسكرية في عدة مناطق، دون أن تأخذ بعين الاعتبار التنسيق مع الجانبين الروسي والسوري، اللذين يحاربان الإرهاب الذي تدعي كل من تركيا والولايات المتحدة محاربتهما له.
هنا تطفو إلى السطح الكثير من التساؤلات حول حقيقة ما يجري فعلاً على هذه الجبهة، في مقدمتها:
ماهي التقاطعات الميدانية والسياسية بين أصحاب الأرض وحلفائهم وبين القوى الإقليمية والدولية المتداخلة في هذه الجبهة؟
هل هناك من توافق ضمني روسي سوري كردي لسحب كل الذرائع من يد تركيا في هذا الملف الذي تجعل منه عكازتها للتصرف كما تريد على الأرض السورية، وكذلك الأمر إفراغ مخطط الولايات المتحدة التي تستخدم أطراف محددة من الأكراد لتحقيق أهدافها بشكل منفرد؟
وكيف لتركيا أن تخرج من هذ المأزق الذي وضعت نفسها فيه؟
ماهو حال ما تبقى من القوى المسلحة على الجبهات الأخرى التي حذرتها روسيا بشكل مباشر وبطرق مختلفة من مغبة الاعتداء على القوات السورية وحلفائها؟
:يقول بهذا الصدد دانيال عبد الفتاح الباحث والمختص بالشأن التركي وخبير "أورسام" للأبحاث الاستراتيجية في أنقرة
التفاصيل في الحقيقة غائبة عن الجميع ، لكن الإطار العام واضح وبيّن ، تركيا تحاول أن يكون لها تواجد في الساحة السورية ، وتحاول أن تأخذ موطىء قدم لها في الأراضي السورية ، ولكنها فشلت لأنها إختارت الدخول من نافذة التنظيمات الإرهابية المسلحة.
ثم أردف عبد الفتاح قائلاً:
تركيا استقدمت هذه المجموعات والتنظيمات الإرهابية ودعمتهم وسلحتهم ، وقدمت لهم الدعم اللوجستي ودربتهم في أراضيها ، إلى أن وصل بها الحد في أن فشلت في تحقيق أهدافها ومأربها في الوصول إلى دمشق ، أو الوصول إلى أي نقطة في العاصمة الثانية حلب ، ثم غيرت تركيا إستراتيجيتها ، وقالت بأنها تخلت عن جبهة "النصرة" وعن "داعش" ، وأنها تدعم اليوم فقط بين قوسين الجيش السوري الحر وتخلت عن داعش أي أنها تدعم فقط السوريين يعني تخلت عن الأجانب. هذا التخلي كان الإنعاطفة التي إستغلتها طهران وموسكو ، وسمحوا لتركيا بالتورط في الدخول فبي الأراضي السورية ، وجاءت تركيا على المحك فهل هي تخلت فعلا عن "النصرة" و" داعش" ؟
وهل هي فعلا باتت تسعى إلى دعم ما يسمى بالمعتدلين في سورية؟
يتابع الخبير عبد الفتاح مستطرداً: المحك أوضح أنه لم يكن هناك حرب بين هذه الأطراف ، في حين كان الهدف التركي قد تغير مرة ثانية ، وذهبت تركيا إلى إقتطاع منطقة آمنة للإرهابيين والمسلحين ، لذلك إصطدمت بالحليف الروسي وبالحليف الأمريكي ، ولم يكن هناك أي مشاكل في الأصل أو إطلاق نار من قبل قوات حماية الشعب الكردية وتركيا قوات حماية الشعب الكردية لم تطلق طلقة واحدة على تركيا ، ولم يكن لهم أي علاقة واضحة مع حزب العمال الكردستاني ، أو حتى نقل أسلحة ، لذا تركيا حاولت إستخدام وحدات الشعب الكردية كشماعة للتدخل في سورية ، والخسارة الكبرى لتركيا ليست الآن ، الخسارة الكبرى فيما بعد لأن تركيا خسرت حلفائها في التنظيمات الإرهابية الذين إنقلبوا عليها ، والخوف الآن هو الإرتدادت المترتبة على ذلك بشكل حقيقي ، تركيا دعمتهم ومن ثم تخلت عنهم وهذا سيكون له منعكسات خطيرة على الداخل التركي ، لذلك مسألة الحكم الذاتي والدولة الكردية لم تشكل أصلاً سوى شماعة.
وختم الخبير عبد الفتاح قائلاً:
كل ماتقوم به تركيا ، وكل هذه الخبصة كما يقال ، والطبخة التي تطبخها تركيا في الواقع هي عبارة عن شماعة و نهايتها واضحة فهي تتجه إلى الهاوية ، بات من الواضح تماماً الفشل الذريع الذي سوف تقع فيه القوات التركية والسياسة التركية تجاه الأزمة السورية.
من جانب آخر وحول وجود إتفاق مبطن بين الحكومة السورية وحلفائها وخاصة الروسي مع الأكراد قال الخبير العسكري الإستراتيجي العميد علي مقصود مايلي:
أنا أقول أن الأكراد ليسوا طرفاً بعيداً أو خارج النسيج الإجتماعي السوري ، لذلك أقول نعم ، الحكومة السورية تعمل على نزع كل الذرائع التي تعمل قوى إقليمية أو دولية على إستخدامها والإستثمار فيها من أجل ديمومة الصراع وتفجير النسيج الإجتماعي السوري ، نعم روسيا من خلال علاقاتها مع كافة الفصائل والمكونات الكردية ، وكما هي علاقتها إستراتيجية مع الحكومة السورية ، إستطاعت في الحقيقة من كبت الأكراد والصراع الدائر لتحقيق أجندتهم ومشروعهم المزعوم المفصل من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها ، ولذلك هذا الموضوع إقتضى أن يكون هناك رقعة شطرنج سورية تلعب فيها سورية مع حليفها روسيا ومع كل الأطراف ، بما يجنب سورية والمنطقة ككل ديمومة الصراع ، وبنفس الوقت مواجهة هذه المشاريع.
ويتابع العميد مقصود قائلاً: أمريكا خسرت كل مرتكزات مشروعها التقسيمي ، وتوسيع حلف الناتو ، أي توسيع سيطرتها عبر هذا السيناريو بإقامة مكون كردي ، وتركيا التي رسمت كل سياساتها في الميدان السوري والمنطقة تقوم على أساس في أن يكون لها حضور، ووجود يضم أجزاء من الأراضي السورية ، وبالتالي حولت كل العناصر التي إستخدمتها لتحقيق أهدافها الى عناصر تحدي وتهديد ، وعلى رأسها إرهاب "داعش" ، والمكون الكردي كما يعرّفونه هم الأتراك يعني ، ومن جهة أخرى قام الشخص الثاني في سفارة روسيا بدمشق مؤخراً بزيارة الى القنيطرة وخلال لقائه مع المجموعات المسلحة حذر بشدة من مغبة التورط في الإعتداء على قوات الجيش السوري وحلفائها وإلا فسوف يتم التعامل معهم كما يتم التعامل مع المجموعات الإرهابية المسلحة على الجبهة الجنوبية.
وختم العميد مقصود حديثة بقوله : عندما تتحدث تركيا عن إرهاب في عفرين وجنديريس التي تنوي روسيا إقامة قاعدة عسكرية فيها ، فهي تحرك روسي لسحب فتيل النزاع وطمأنة تركيا بنفس الوقت ، بأن الوجود الروسي كما عمل على نزع فتيل المواجهة في سورية عبر ضم الفصائل الإرهابية المسلحة بوجود قاعدة حميميم ، وصولاً إلى حلب وإلى الشمال حتى دمشق ، دليل على أن روسيا تعمل على نزع السلاح وإستبداله بلغة الحوار والمصالحات ، نعم هناك إتفاق مع الأكراد رعته روسيا ، ولجأ الأكراد إلى روسيا بعد أن غدرت بهم الولايات المتحدة التي أرادت أن تحقق أهدافها بإستخدام حالة الخلاف والتناقض بين تركيا حليفها القديم وإستبدلتها بحلفائها الجدد وهي في الحقيقة لن تعطي أحدا منهم شيئا .
إعداد وتقديم: نواف إبراهيم
