تونس: نتائج مذكرة التفاهم حول الهجرة تحرج دول أوروبا... صور وفيديو

يبدو أن الحلم الأوروبي بكبح جماح الهجرة غير النظامية من تونس، قد اصطدم سريعا ‏بصخرة الواقع؛ فالأرقام التي أعلنها مسؤولون إيطاليون كشفت عن تزايد غير ‏مسبوق لنسق الرحلات إلى السواحل الإيطالية، رغم توقيع مذكرة التفاهم التونسية ‏والأوروبية.‏

وصرحت وزارة الداخلية الإيطالية، أن معدل الهجرة غير النظامية التي انطلقت من السواحل التونسية، قد ارتفع بنسبة 69% خلال الأسابيع الستة التي تلت إمضاء مذكرة التفاهم مع الاتحاد الأوروبي.

وتهدف هذه المذكرة التي تم توقيعها منتصف تموز/ يوليو الماضي إلى وقف تدفقات المهاجرين غير النظاميين، ومنع وصولهم إلى شواطئ أوروبا المطلة على البحر المتوسط، وترحيل المهاجرين التونسيين الذين لا يمتلكون إذنا بالبقاء، بالإضافة إلى تسهيل عودة المهاجرين الأفارقة الذين عبروا إليها من تونس.

وتمثّل هذه الأرقام مصدر قلق وانزعاج لدى المسؤولين الأوروبيين الذين يقودون مؤخرا تحركات دبلوماسية مكثفة في تونس، ترى منظمات ومراقبون أنها تعكس محاولات مفضوحة للضغط على تونس في اتجاه تحويلها إلى حارس بحري لحدود القارة العجوز وجعلها "مركز استقبال" للمهاجرين الأفارقة المرحلين من إيطاليا أو أي بلد أوروبي آخر، باستغلال وضعها الاقتصادي الصعب وحاجتها إلى الاعتمادات المالية.

وتتزامن هذه التحركات مع شروع البرلمان الأوروبي في مناقشة مضمون مذكرة التفاهم التي يتطلب تنفيذها الحصول على أغلبية أصوات دول الاتحاد، وسط تباين حاد في المواقف الأوروبية بشأنها.

الهجرة غير النظامية في تونس

© Sputnik . Mariam.Gadera

نتائج عكسية لمذكرة التفاهم

ويرى المتحدث الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "مذكرة التفاهم الموقعة بين تونس والاتحاد الأوروبي أفرزت نتائج عكسية، وأثبتت أن المقاربة الأمنية بمفردها عاجزة عن إيجاد الحلول لهذه الظاهرة"، مشيرا إلى أن "البلاد سجلت مغادرة أكثر من 3 آلاف مهاجر غير نظامي خلال شهر أغسطس/ آب الماضي فقط".

وأضاف:

"هذه الاتفاقية كانت خطوة متسرعة من الجانبين ولم يكن عليها توافق واسع لا على المستوى الأوروبي ولا على المستوى الداخلي، كما أن تنفيذها اقتصر على الجانب التونسي، بينما لم تخطو الأطراف الأوروبية خطوة واحدة في اتجاه تنفيذ ما وعدت به من صرف اعتمادات مالية لتونس مباشرة بعد التوقيع".

ويتوقع بن عمر أن "تتواصل أزمة الهجرة لسنوات لاحقة، في ظل الأزمات المتفاقمة التي تعيشها دول غرب ووسط أفريقيا"، مشيرا إلى أن "هذه القضية لن تأخذ طريقها نحو الانفراج إذا لم يغير الاتحاد الأوروبي مقارباته "التي تعتمد فقط على ممارسة الضغوطات على دول الجنوب وعلى بناء الجدران وعسكرة السواحل بعيدا عن المعالجات الحقيقية".

الهجرة غير النظامية في تونس

© Sputnik . Mariam.Gadera

لجنة برلمانية أوروبية في تونس

وأحدث "فشل التصدي" لموجهات الهجرة المتزايدة قلقا داخل الأوساط التونسية من تصعيد التعامل الأمني مع المهاجرين غير النظاميين القادمين من تونس، في ظل وجود تأكيد رسمي من السلطات التونسية بأنها لن تقبل بتحويل بلدانها إلى مركز استقبال للمهاجرين، فيما أكد وزير الداخلية الإيطالي، ماتيو بيانتيدوزي، أنه سيتم اتخاذ قرارات جديدة في مسألة الهجرة والترحيل في شهر سبتمبر/ أيلول الجاري.

وتتزامن هذه المخاوف مع تأكيد لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي أن وفدا منها سيتوجه إلى تونس في غضون الأسبوعين المقبلين لمواصلة النقاش حول مذكرة التفاهم الموقعة بين الطرفين.

ويرى المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، أن "هذه الزيارة تتنزل في إطار محاولات الضغط المستمرة على تونس من أجل دفعها إلى القبول بالشروط الأوروبية".

الهجرة غير النظامية في تونس

© Sputnik . Mariam.Gadera

ويشير بن عمر إلى أن "هذه التحركات مدفوعة بوجود اعتقاد أوروبي غير معلن بأن السلطات التونسية تتواطأ في مسألة مراقبة السواحل، وهو اعتقاد خاطئ على اعتبار أن تونس نجحت في منع أكثر من 50 ألف مهاجر غير نظامي من العبور إلى الفضاء الأوروبي خلال الأشهر الثمانية الماضية".

ويؤكد الناطق الرسمي باسم حراك "25 يوليو"، محمود بن مبروك، لـ"سبوتنيك"، أن "زيارة الوفد البرلماني الأوروبي تتنزل في إطار الإعداد لتنفيذ اتفاقية تونسية أوروبية تهم ملف الهجرة"، مشيرا إلى أن "الاتفاقات تمر بالضرورة على البرلمان للمصادقة عليها".

وأضاف:

"هذه الزيارة ستتناول أيضا مسألة الأفارقة من جنوب الصحراء والتعاون الاقتصادي وهي أيضا محاولة لدفع تونس إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي والاعتماد على القروض الخارجية، خاصة في ظل تجنب تونس الاقتراض من الجهات الأوروبية مقابل الاعتماد على مصادر أخرى، على غرار دول أفريقيا والسعودية".

ويتفق بن مبروك على أن "حل أزمة الهجرة غير النظامية لا يمكن أن يكون محصورا في مذكرة التفاهم الأوروبية والتونسية"، مشيرا إلى أن "حصول تونس على اعتمادات مالية وأمنية مقابل منع مرور المهاجرين لن يحل الأزمة".

الهجرة غير النظامية في تونس

© Sputnik . Mariam.Gadera

خلاف أوروبي حول مذكرة التفاهم

وأشعلت النتائج "غير المرضية" لمذكرة التفاهم التونسية والأوروبية خلافا حادا داخل الأوساط الأوروبية على الصيغة التي ستكون عليها الاتفاقات التي ستلحق توقيع المذكرة.

وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، قال الجامعي والمختص في قضايا الهجرة، رياض بن خليفة: "تشعر ألمانيا بأنه لم يقع تشريكها في هذا الملف بالشكل الكافي، بينما تعتبر فرنسا أن إيطاليا خطت خطوات فردية في معالجة قضية الهجرة غير النظامية وأنها أقصت الأطراف الأوروبية".

ويرى الأكاديمي والجامعي أن "نتائج مذكرة التفاهم وضعت أيضا حكومة جورجيا ميلوني في ورطة، على اعتبار أنها قدمت وعودا انتخابية بكبح جماح الهجرة غير النظامية".

وبغض النظر عن الخلاف الأوروبي حول هذه المذكرة، يؤكد بن خليفة أن "المساعي الأوروبية، خاصة المتأتية من فرنسا وإيطاليا وألمانيا بالإضافة إلى سويسرا، تتجه إلى تسريع وتيرة طرد التونسيين غير المرغوب فيهم والضغط على تونس من أجل قبول المهاجرين غير النظاميين الذين وصلوا إلى إيطاليا عبر تونس".

وأشار إلى أن "هذه المساعي تؤكدها التصريحات المتواترة للمسؤولين الأوروبيين، آخرها تصريح رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، التي كشفت أن حكومتها قررت تطبيق قانون "كوترو" بشكل كامل".

ويسمح هذا القانون الذي تمت الصادقة عليه في مايو/ أيار الماضي بالطرد السريع للمهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء، من بينهم 4 آلاف تونسي.