لماذا قد يتلاشى تمويل الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا قريبا؟

يشكك المحافظون الأوروبيون في زيادة الإنفاق على أوكرانيا، بل وتعهدوا بإعادة تشكيل سياسات القارة العجوز بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة في الاتحاد الأوروبي، إذ من المتوقع أن يشغلوا المزيد من ‏المقاعد، فماذا يمكن أن يعني هذا لكييف؟

وأفادت وسائل إعلام بريطانية مؤخرا، أن مخصصات الاتحاد الأوروبي الأخيرة لأوكرانيا، البالغة 50 مليار يورو، معرّضة للخطر، بسبب فشل الدول الأعضاء في التوصل إلى اتفاق بشأن ميزانية مشتركة.

وأشارت التقارير البريطانية بشكل خاص، إلى فوز جناح اليمين في الانتخابات الهولندية الشهر الماضي، إلى جانب أحدث حكم من المحكمة الألمانية، الذي قضى بالحد من الاقتراض الحكومي.

من ناحيته، يعتقد محلل العلاقات الدولية، جيلبرت دوكتورو، في حديثه لـ"سبوتنيك، أن وسائل الإعلام البريطانية تبالغ في أهمية نتائج الانتخابات في هولندا، موضحا أنه "في نهاية المطاف، لم يحصل السياسي اليميني المتطرف، خيرت فيلدرز، إلا على 23% من الأصوات، لذا فليس الأمر كما لو أن الشعب الهولندي بأكمله يوافق على التخلص من أوكرانيا".

لكن لفت دوكتورو إلى أن "وجود قضايا أخرى داخل الاتحاد الأوروبي تدفع الأمور في نفس الاتجاه المتمثل في التخلي ببطء عن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، ونظامه"، مشيرا إلى أن "الفجوة في ميزانية الدولة الألمانية تمثل عاملا أكبر يعمل ضد أوكرانيا على مستوى الاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي".

وكان المراقبون الدوليون لفتوا الانتباه في الآونة الأخيرة، إلى صعود جناح اليمين في مختلف أنحاء أوروبا، واقترحوا أن الصراع في أوكرانيا والحرب في قطاع غزة، من الممكن أن يشكلا حافزا لهذا الاتجاه.

وفي داخل ألمانيا، يحصل حزب "البديل من أجل ألمانيا" حاليا على 21% من الأصوات، وهو في المرتبة الثانية بعد حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي (الحاصل على 30%)ـ ويشكك حزب "البديل من أجل ألمانيا" بشدة في تمويل الكتلة الأوروبية، وعسكرة نظام كييف.

ومن جانبه، يتبنّى رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، موقفا مماثلا، وعلاوة على ذلك، فقد أشار مؤخرا إلى أنه ضد مناقشة انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي أثناء قمة الاتحاد الأوروبي التي عقدت في شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وفي شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وهدد باستخدام حق النقض الذي تتمتع به المجر، لمنع تقديم مبلغ 50 مليار يورو المخطط له لكييف.

وهنا يقول جيلبرت دوكتورو: "تعد الأحزاب اليمينية أحد العوامل المهمة فقط، لأنها تعني أن العصابة النيوليبرالية (الليبرالية الجديدة) التي تدير بروكسل لا تتمتع بالسيطرة المطلقة، وأن هناك مساحة صغيرة من حرية التعبير والفكر الحر في المجتمعات المكارثية في الاتحاد الأوروبي".

وأضاف أن "العامل الأكبر هو كيف يراقب الأوروبيون ما ستفعله أمريكا وهي أكبر جهة مانحة لأوكرانيا، في ظل الجمود الذي يشهده مبنى الكونغرس (الكابيتول هيل)، والفشل في إدراج المساعدات لأوكرانيا في ميزانية السنة المالية المقبلة".

في الوقت نفسه، يعمل المحافظون الأوروبيون على توحيد صفوفهم قبل الانتخابات البرلمانية للاتحاد الأوروبي، المقرر إجراؤها في الفترة من 6 إلى 9 يونيو/ حزيران 2024.

وفي اجتماع لزعماء اليمين الأوروبي في مدينة فلورنسا الإيطالية، أمس الأحد، انتقد المحافظون في الاتحاد الأوروبي العقوبات الغربية ضد روسيا، وعدم جدوى تمويل أوكرانيا التي "لا تستطيع الفوز" بحسب رأيهم، كما اعتبروا أن أجندة بروكسل بشأن أوكرانيا تأتي على النقيض من المصالح الوطنية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وقال نائب برلمان لوكسمبورغ عن حزب الإصلاح الديمقراطي البديل، فرناند كارثيزر، وهو أيضا عضو في مجلس المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين لـ"سبوتنيك" إن "العقوبات لها تأثير مرتد على الاقتصادات الأوروبية، فهي تزيد من معدل التضخم وتضعف قدرتنا التنافسية، بالإضافة إلى ذلك، فقد أدت الحرب في أوكرانيا إلى تقليص دور الغرب في العالم، من خلال النمو المثير للإعجاب لتكتل "بريكس" الاقتصادي، وإذا أضفت إلى قائمة الأخطاء هذه حقيقة أن كل هذه الجهود كانت في الأساس هباء، لأن أوكرانيا تخسر الحرب، فمن الواضح بالطبع أن الأسئلة ستطرح حول الخيارات الاستراتيجية التي تم اتخاذها ومن سوف يتحمل مسؤوليتها؟".

ورغم ذلك، فإنه لا تزال هناك بعض الانقسامات بين حركة اليمين الأوروبي حول التعامل مع روسيا، حسبما قال نائب رئيس حزب "البديل من أجل ألمانيا" ونائب رئيس حزب الهوية، جونار بيك، في تصريحات لمجلة أمريكية، وهو الاستنتاج الذي يتفق معه جيلبرت دكتورو.

ويوضح دوكتورو: "لم يكن هناك إجماع بين الأحزاب اليمينية في جميع أنحاء أوروبا، إذا كنت تعتبر أن حزب القانون والعدالة الذي ينتمي إليه كاتشينسكي والذي أدار بولندا حتى الانتخابات الوطنية الأخيرة، هو حزب يميني كما يمكن أن يكون، ومعاديا لروسيا بعنف".

وأردف: "إن معظم الأحزاب اليمينية الأخرى في أوروبا مؤيدة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ويمثل القاسم المشترك الوحيد لتلك الأحزاب هو الدفاع القوي عن السيادة الوطنية، والانتقاد الشديد لمؤسسات الاتحاد الأوروبي في بروكسل".

و"بالمثل، فإن الأحزاب اليمينية ليس لديها موقف موحد بشأن أوكرانيا"، كما يرى فرناند كارثيزر، الذي قال: "للأسف، ليس لدى الأحزاب اليمينية موقف موحد بشأن أوكرانيا، فمعظمها يتبع خطوط تفكير تقليدية ووطنية، وهذا أكثر إثارة للدهشة، لأن العديد من المرشحين الرئاسيين الجمهوريين وحتى بعض الديمقراطيين في أمريكا يبتعدون عن سياسة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تجاه أوكرانيا، وفي هذه المرحلة، يمكن للأحزاب اليمينية فقط في بعض الدول الأوروبية الكبرى أن تسهم في تغيير السياسة، وتحديدا في فرنسا وألمانيا، وبطبيعة الحال، في هولندا".

وتابع كارثيرز: "ومع ذلك، فإنه في غضون بضعة أشهر من الآن، يمكن أن يتطور هذا لأن شعبيتهم أصبحت أقل فأقل، واقتراب الانتخابات الأوروبية قد يدفعهم إلى إعادة النظر في مواقفهم".