بعد زيارة أردوغان... هل تعود المياه إلى مجاريها بين تركيا والعراق

في أول زيارة رسمية له إلى العراق منذ 13 عاما، يوقّع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أكثر من 20 اتفاقية تعاون، في إطار شراكة استراتيجية شاملة بين البلدين.

وتتصدر جدول أعمال الزيارة 4 ملفات مهمة، هي: ملف المياه، وطريق التنمية، والملف الأمني المتعلق بنشاط الجماعات الكردية المسلحة على الحدود، وملف تصدير النفط.

ويولي الرئيس التركي مشروع "طريق التنمية" أهمية كبيرة، وهو طريق بري وسكة حديدية تمتد من العراق إلى تركيا وموانئها، بطول 1200 كيلومتر داخل العراق، ويهدف إلى نقل البضائع بين أوروبا ودول الخليج.

وفي حديثه لـ"سبوتنيك"، قال خبير الشؤون العراقية والكردية، كفاح محمود، إن "المشكلات بين البلدين تراكمت خلال العقد الماضي وتعقّدت، وفي مقدمتها المسألة الأمنية التي تعمقت باندفاع الجيش التركي داخل الأراضي العراقية".

وتابع، مشيرًا إلى أن "أردوغان يحمل إلى بغداد الكثير من المشكلات، من بينها ملف المياه، إذ يتهم المراقبين تركيا بانها تجاوزت الاتفاقيات الدولية في هذا الخصوص، والملف الأمني، إذ تنتشر قواعد ومراكز العسكرية تركية على الأراضي العراقية، وهناك عمليات قصف منظمة تطال المعارضين لتركيا في إقليم كردستان العراق، وتكبّد الأبرياء فيه ثمنا باهظا".

وأكد الخبير أن "إيجاد حلول لمشكلة نشاط المسلحين الأكراد يأتي من خلال إنهاء الملف العسكري، وهذا يتأكد من جدية الحكومة التركية في حل المشكلة من داخل تركيا أولا، وأن تتوجه الحكومة التركية بشكل جدي إلى مواطنيها في كردستان تركيا، وهذا سيوقف حزب العمال وغيره عن القيام بعمليات عسكرية على الحدود".

وأوضح المحلل السياسي، طه عودة أوغلو، أن "الزيارة تأتي في إطار التطورات الأمنية ونزول مسلحي حزب العمال الكردستاني من الجبال إلى المدن، وتركز أيضا على طريق التنمية الذي يسعى البلدان لتنفيذه".

وأضاف، لافتًا إلى أن "هناك تدشين لمرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين، لن تحل كافة المشكلات لكنها تمثّل بداية لحلول جذرية، وهناك يقين تركي بأنه يتعيّن على أنقرة مد الجسور مع العراق، وهو دولة مهمة تتشارك معها حدود شاسعة وهناك مخاوف أمنية".

واعتبر أوغلو أن "أنقرة تريد أن تستغل الضغط في الأقليم بسبب أزمات غزة وأوكرانيا وغيرها من أجل ترتيب أوراقها مع العراق، خاصة قبل زيارة أردوغان إلى واشنطن في شهر مايو/ أيار المقبل، والتي سيكون الملف العراقي حاضرا خلالها، كما تريد أن تستفيد من التقارب مع واشنطن، بعد أن سمح لها بلعب دور اقليمي من خلال الوساطة في أزمة غزة، بأن ينعكس هذا التقارب على الملف العراقي".

لكن توقع أوغلو أن "تواجه أنقرة أزمة على خلفية ملف طريق التنمية، الذي لن تتحمس له واشنطن لأنه سيتيح استقلالا اقتصاديا كبيرا للعراق ولتركيا، وسيمكنها من لعب دور اقتصادي مهم، ويريح الاقتصاد التركي".

وأكد خبير الشؤون الجيوسياسية والاقتصادية د. بيير عازار، أنه "لا يمكن قيام طريق تنمية بين البلدين بمعزل عن الخط الإقليمي، وعلينا أن نذكر أنه كان هناك مشروع عراقي سابق لتمديد خط بري من ميناء أم قصر في الكويت، تسبب في دخول صدام حسين للكويت لأن العراق يفتقر إلى منفذ على البحر"، موضحًا أن "هناك طريق بري داخل كل محافظات العراق باتجاه تركيا، وهذا الممر أمر تحلم به تركيا وهو الذي شجّع على تطوير العلاقات، لأن العراق يعتقد أنه يستطيع أن يندمج في طريق الحرير الدولي ضمن خصوصية عراقية عبر هذا الطريق البري الممتد من أم قصر المعروفة باسم ألفاو، والمطلة على شط العرب بين إيران والعراق، باتجاه الحدود التركية، ومن ثم باتجاه أوروبا".

وأشار الخبير إلى أن "البلدان يدركان أن نجاح هذه الخطة يندرج ضمن إطار كيفية التعاون مع طريق الحرير أو ممر الهند حيفا، وبالتالي لن يمكن لهذه التوافقات أن تحدث بشكل مستقل، لأن تركيا والعراق يعلمان أن العلاقات مع سوريا ضرورية أجل إنجاح هذه الخطوة"، مذكّرًا بمبادرة البحار الأربعة للرئيس السوري، بشار الأسد، التي اقترحت ربط بحر قزوين بالبحر الأسود وبحر العرب والبحر المتوسط، والتي كانت سببا في قرار تدمير سوريا حيث كان من شأنها منح قدرات هائلة للاقتصاد السوري، ولهذا ستواجه تركيا والعراق مشكلات كبرى إذا حاولتا منفردتان التحرك في هذا الأمر بمعزل عن التدخلات الإقليمية، وكلاهما يعلم أن الظروف لن تكون مواتية إلا عن طريق بناء تجمع إقليمي".

إعداد وتقديم: جيهان لطفي