الهباش ذهب أبعد من ذلك بالخروج على إرادة الغالبية الساحقة من أبناء الشعب الفلسطيني، الداعمة لإنجاز مصالحة وطنية، فحسبما نقلته وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية (وفا)، رفض الهباش الحوار مع حركة "حماس"، وقال: "ما جرى في غزة انقلاب وليس انقساماً، ويجب التعاطي معه بالحزم والحسم، فلا حوار مع الانقلابيين والذين يجب أن يضربوا بيد من حديد…".
واتضح لاحقاً، من خلال كلمة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أمام القمة العربية في شرم الشيخ أن ما قاله الهباش ليس وجهة نظر فردية، بل يعبر عن توجه تيار داخل السلطة، فالرئيس عباس نفسه طالب ضمنياً بنقل تجربة التدخل العسكري الخليجي في اليمن إلى بلدان عربية أخرى تعاني من أزمات، ذكر منها بالاسم "سورية والعراق وفلسطين وليبيا والصومال"، وكان قد أدلى بتصريحات مماثلة عشية انعقاد القمة.
بالطبع لا يمكن أن تأخذ مطالبات الرئيس عباس، أو دعوات مستشاره للشؤون الدينية، على محمل الجد وليس ثمة أدنى احتمال بأن تجد لها آذاناً صاغية، هذا فضلاً عن أنها تفترض أن قرار التدخل من عدمه يخضع لإرادة دول عربية بعينها، دون تأثيرات دولية أو إقليمية، وأن المحور الذي تحالف في اليمن لديه قدرة على توسيع نطاق تدخله ليشمل مناطق أخرى.
وهذا من شأنه أن يصعد مرة أخرى من حدة الانقسامات الداخلية الفلسطينية، خلافاً لقرارات المجلس المركزي الفلسطيني في دورته الأخيرة، التي اكدت على المصالحة، وتوحيد كل الطاقات الفلسطينية في المعركة ضد الاستيطان الإسرائيلي وتهويد القدس الشرقية، وكسب التأييد الدولي إلى جانب القضية الفلسطينية، لممارسة ضغوط على إسرائيل.
عدوى حمى التدخلات لم تلتقها اطراف فلسطينية فقط، فرئيس وزراء الحكومة الليبية المنبثقة عن مجلس النواب في طبرق، عبد الله الثني، صرّح بأن المشاكل التي يعاني منها اليمن، واستدعت التدخل العسكري الخارجي، هي نفس مشاكل ليبيا. وأضاف: "لا يمكن الموافقة على التدخل في اليمن لدعم الشرعية ولا يوافقون على قرارات بحسم الموقف في ليبيا…".
اللافت أن تصريحات عبد الله الثني تتعارض كلياً مع أجواء الحوار برعاية بعثة الأمم المتحدة، والحديث عن اختراقات تحققت في الجلسات التي انعقدت في مدينة الصخيرات المغربية، منها قرب الاتفاق مبدئياً على تشكيل حكومة وحدة وطنية، وتشكيل مجلس رئاسي، بالتوافق بين "المؤتمر الوطني العام" و"مجلس النواب" وباقي الأطراف الليبية، لإنهاء الصراع المسلح.
وتجدر الإشارة إلى أن الأمم المتحدة كانت تأمل بأن يقدِّم مؤتمر القمة العربية في شرم الشيخ دعماً لجهودها، من أجل تسوية الأزمة الليبية بوسائل دبلوماسية، وفي هذا السياق أعلن المبعوث الدولي الخاص إلى ليبيا، برناردينو ليون، عن ايقاف المباحثات مؤقتاً بهدف "إتاحة فرصة للجامعة العربية للمساهمة في حل الأزمة الليبية"، إلا أن البيان الختامي للقمة أكد دعم أحد طرفي الأزمة، الأمر الذي شجع الثني على طلب تدخل عسكري، على غرار التدخل في اليمن.
ومن غير المستبعد أن تظهر مطالبات للتدخل في بلدان عربية، ليس شرطاً أن تكون رسمية، فمقياس الشرعية من عدمه يمكن التلاعب به، وهو في كل الأحوال نسبي، فحركة "حماس" هي من فازت بالانتخابات التشريعية الأخيرة عام 2006، و"المحكمة الدستورية الليبية العليا" طعنت بشرعية الانتخابات التي أتت بـ"مجلس النواب الليبي" واعتبرت المجلس منحلاً. وفي الحالة السورية احتمال المطالبة بتدخل عسكري العربي يمكن أن يصدر فقط من قبل معارضي النظام، وفي مرحلة ما من مراحل الصراع في العراق ربما نجد دعوات من ممثلي مكون معين للتدخل ضد مكون آخر.
إن استسهال إغلاق أبواب الحوار، وطلب التدخلات العسكرية الخارجية حتى لو كانت عربية، حمى خطيرة، إذا تفاقمت ستصيب النظام السياسي الرسمي العربي بالخوار، والتوافق الظاهري الذي بدا في قمة شرم الشيخ سيصطدم لاحقاً بتعارض مصالح بين الدول العربية، إذا تم فتح باب التدخل العسكري وفقاً للأهواء السياسية. فضلاً عن أن المبالغة في إمكانيات بعض الدول العربية عارض من عوارض الحمى، التي يتطلب الشفاء منها العودة إلى التفكير العقلاني، والانحياز للحلول السياسية والدبلوماسية في حل الخلافات الداخلية.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)