الحكومة الإسرائيلية غاضبة من مجريات المباحثات بين طهران والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا، مجموعة (5+1)، ويرتد الغضب في تل أبيب على شكل إحباط من أن إسرائيل لم تستطع، ولن تستطيع مستقبلاً، أن تعرقل مسار المباحثات التي باتت في مراحلها الأخيرة، بعد أن تم بلورة التفاهمات بصيغتها شبه النهائية، وصار الطريق مفتوحاً أمام توفيق اتفاق بين المجموعة الدولية وطهران في حزيران (يونيو) القادم.
ومرد الإحباط فشل الحملات السياسية والإعلامية المكثفة، التي شنتها الحكومة الإسرائيلية، وعلى نحو خاص رئيسها بنيامين نتنياهو، للتشويش على المباحثات، والتأثير على مواقف الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية في المراحل المتتالية من مفاوضات لوزان في سويسرا، ولم تتوقف إسرائيل عن محاولاتها، لكنها وصلت جميعها إلى طريق مسدود.
نتنياهو استغل اجتماعاً عقده مع وفد من مجلس الشيوخ الأميركي، يوم الثلاثاء الماضي، للتحذير مجدداً من توقيع اتفاق مع طهران، حيث اعتبر أن عدم وصول الدول الست الكبرى إلى تفاهمات مع إيران أفضل من التوقيع على التفاهمات بصيغتها الراهنة، لأن الاتفاق، وفقاً لما زعم نتنياهو، "يشق طريق طهران نحو القنبلة النووية".
وركَّز رئيس الوزراء الإسرائيلي على الثقل الإقليمي المتزايد والمتسارع لإيران، والمثال الأخير على ذلك سيطرة حلفائها الحوثيين على مناطق واسعة في اليمن، بما فيها المناطق المطلة على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وحاول من هذه الزاوية حث الولايات المتحدة على رفض توقيع التفاهمات مع إيران، والعودة إلى تشديد العقوبات الاقتصادية والسياسية عليها، حتى ترضخ لشروط تضمن عدم وصولها إلى العتبة النووية إذا لم يتم نزع قدرتها على التخصيب.
ومازال نتنياهو، رغم موقف إدارة أوباما المؤيد للتفاهمات مع طهران، يراهن على إمكانية تعطيل توقيع اتفاق مع طهران، من خلال تقييد الاتفاق بمصادقة (الكونغرس) عليه، مما سيؤدي إلى تأخير التوقيع من جانب الولايات المتحدة، وهذا سيؤخر بدوره التوقيع على الاتفاق النهائي بين إيران ومجموعة (5+1).
مراهنة لا تمنع بحث الحكومة الإسرائيلية عن خيارات أخرى، في حال لم تنجح مساعي إفشال التفاهمات وتعطيل التوقيع على اتفاق نهائي. تقديرات المؤسسات الأمنية، في الاتجاه الغالب، ترى أن التوقيع على الاتفاق سيؤدي إلى تدهور الأوضاع الأمنية في الشرق الأوسط.
وبخصوص الملف النووي من الناحية التقنية يؤكد عمير رابوبورت، محلل عسكري في صحيفة (معاريف) الإسرائيلية، "الخبراء في المؤسسة الأمنية متأكدون بأن إيران عاجلاً ام آجلاً ستخرق التفاهمات مع الغرب، مثلما فعلت في الاتفاقات السابقة، وستعلن تحولها إلى دولة نووية…".
ويضيف رابوبورت: "إن مجرد حقيقة السماح لإيران بالمحافظة على ٦٠٠٠ جهاز طرد مركزي وفقاً لاتفاق الذي تجري بلورته، وأنها تواصل تطوير برنامج الصواريخ الباليستية سيدفع بدول عربية تعتبر معتدلة إلى الدخول في سباق التسلح في محاولة للرد على التهديد الإيراني الموجه أيضاً ضدهم.. ومن المحتمل أن يدفع الاتفاق الجاري بلورته الحكومة الجديدة في إسرائيل إلى اتخاذ قرارات دراماتيكية…"
القرارات الدراماتيكية تنحصر في الإجابة على سؤال ما هي قدرة إسرائيل على القيام بعمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية، وهذا سؤال قديم يجري تداوله إعلامياً منذ سنوات، وكُتبت عنه مئات التحليلات والتقارير من الدوائر الرسمية والبحثية الإسرائيلية، والإجابة عليه اليوم لا تختلف كثيراً عن الإجابة عليه في السابق، بل إن الحديث عن عمل عسكري إسرائيلي في لا صلة له بالواقع الممكن، فإسرائيل في السابق كانت تأخذ في حساباتها فرص نجاح الضربة العسكرية، ولم تكن بالفرص الواسعة، ولم يطرأ أي تحول جديد على هذا الصعيد، لكن أضيف إلى موانع القيام بأي عمل عسكري أنه سيمثل استفزازاً كبيراً للدول الست الكبرى، لا تستطيع إسرائيل أن تتحمل عواقبه.
ولذلك؛ إن الحديث عن قرارات دراماتيكية، أو لجوء تل أبيب إلى خيارات غير متوقعة، يمكنها أن تقلب الطاولة على مباحثات لوزان، ينطوي على لعبة تهويل ومبالغات، تدرك الدوائر السياسية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية أنها غير قائمة فعلاً، فقرار شن عملية عسكرية على المنشآت النووية الإيرانية لا تستطيع تل أبيب أن تتخذه دون الرجوع إلى واشنطن، فضلاً عن أنه أكبر من إمكانياتها لوحدها.
وعليه ليس أمامها سوى أن تفكر بعقلانية، ولو كانت ناضجة بما يكفي، وصادقة في رغبتها بمنع انتشار السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط، عليها المسارعة إلى التوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، واتفاقية جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح الذري وأسلحة الدمار الشامل الأخرى. لكن ذلك في مصاف الخيال، فإسرائيل ترى أن وجودها يرتبط بالإبقاء على ترسانتها النووية وزيادة مخزونها.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)