لا يعرف أحد من أين أتى هذا الشخص، لا صاحب له ولا ولد. يعيش في بيت صغير بالقرب من المقابر، يأتيه الناس من كل مكان، يقولون إنه يشفي المرضى؛ يمنح البركات لطالبها؛ يفتح باب الزواج لمن فاته قطاره؛ يصلح بين المتخاصمين؛ يعين من بارت تجارته.
أطلق عليه أحد الصحفيين الأجانب اسم "راسبوتين"، لفرط التشابه بينه وبين الراهب الروسي الشهير، ثم ذكر الصحفي، الذي درس اللغة العربية والأدب العربي قصيدة لنزار قباني تحمل عنوان "راسبوتين العربي"، وخاصة ذلك المقطع: أنا القاضي بأمر الله، والناهي بأمر الله، فامتثلي لأحكامي. ومن حينها صار الإعلام يطلق عليه اسم راسبوتين، وفي الحقيقة لم يعرف له اسم، لكن الناس من أهل الحي والمريدين أطلقوا في السابق عليه لقب "الشيخ واصل".
وعندما همت الشرطة بالقبض على "راسبوتين"، أوقف أحد قادة شرطة العاصمة الإجراءات فورا، وعزل الضابط المسؤل عن ملفه، ولما تعجب مدير الأمن من هذا الأمر، أخبره القائد أن "راسبوتين" فرصة ذهبية لا يجب تجاهلها، لأنه صار مادة إعلامية مثيرة شغلت الناس في داخل البلاد وخارجها، سيلهي الناس عن أمور كثيرة ومشاكل تعاني منها البلاد في الفترة الأخيرة، ولو أرادت الشرطة، والكلام لا يزال للقائد، القبض عليه يجب أن يكون ذلك على النحو الذي يظهر جهاز الشرطة بمظهر المحارب لكل مظاهر الدجل والشعوذة، وأن يظهر المشايخ الكبار في الإعلام للحديث عن الأمر. قال القائد لمدير الأمن:
يجب أن نمسك عصا موسى من المنتصف، أن نزيد "راسبوتين" شهرة وتواجدا… أن نقبض عليه ثم ندعه يهرب ونرصد مكافأة ضخمة لمن يرشد عنه، وهكذا حتى تحترق الحكاية، حتى نجد حكاية جديدة.
هذا مشهد محلي، ربما شاهدناه كثيرا في الأفلام والمسلسلات، لكن ترى ما هي الألعاب الأخرى التي تمارس علينا ليل نهار من الدول الاستعمارية الكبرى، ووكلائها في بلادنا، والمؤسسات التابعة لها، كالأمم المتحدة مثلا، تلك التي تعمل تحت شعارات إنسانية بالغة الرقة، وتدعي أنها تعمل في سبيل عالم أكثر عدلا. هل نظل متفائلون رغم كل شيء؟ لا أرى دون التفاؤل بديلا، عل الغد يكون أفضل.
(المقالة تعبر رأي كاتبها)