ورغم علامة الاستفهام الكبيرة التي وضعها الكثيرون إلى جوار عبارة "سحب قوات روسيا من سوريا"، إلا أن المتأمل لهذه الخطوة يجد أنها خطوة سليمة تماما، خاصة مع حالة الارتباك التي أصابت المشهد السوري في الآونة الأخيرة، إضافة إلى الحفاظ على رصيد الإنجازات التي تمت خلال فترة الأشهر الستة التي استغرقتها العمليات الحربية الروسية على الأراضي السورية.
وقد أكدت البيانات الواردة من مركز المعلومات السياسية بموسكو أن روسيا حققت العديد من المكتسبات على أصعدة مختلفة، أهمها توجيه ضربة قوية وحاسمة للإرهابيين، خاصة هؤلاء القادمين من روسيا، كما دعمت العلاقة الاستراتيجية مع سوريا، ومنحت الحلفاء المحتملين مزيدا من الطمأنينة لوجود قوة عسكرية كبيرة تحقق التوازن الاستراتيجي والعسكري في المنطقة، بعيدا عن الهيمة الأمريكية.
وخلال الفترة التي تواجدت فيها القوات الروسية في مسرح العمليات السوري عاد "الدب الروسي" للتوهج مرة أخرى، واستطاع اختبار قدرته العسكرية في اختبار صعب، كما سمحت له العمليات العسكرية تجريب معداته العسكرية الجديدة على نطاق واسع. إضافة إلى ذلك، ساعد التحرك الروسي في سوريا في تحقيق مكاسب سياسية كبيرة، خاصة فيما يتعلق بالشأن الأوكراني، وجعلت نفسها في وضع أفضل، إذا ما وصل الأمر إلى طاولة مفاوضات محتملة، ناهيك عن المكاسب المالية الكبيرة التي حققتها روسيا، والتي ستدعم بالطبع الاقتصاد الروسي، الذي عانى بعض الشيء من الحصار الذي فرض عليه في الفترة الأخيرة.
لذا يبدو سحب القوات الروسية في هذا التوقيت مثاليا، وأدى انتصاره في سوريا إلى محاولة الولايات المتحدة، التي فشلت تماما في مواجهة مغامرة الدب الروسي، وأصبحت أكثر احتراما لقدرات وإمكانات روسيا في الوقت الحالي، التقرب من روسيا، مما يمثل اعترافا ضمنيا بالنجاح الكبير الذي حققته روسيا، وليس أدل على ذلك من زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى موسكو يوم 23 من الشهر الجاري، في محاولة منه لمعرفة الرأي الروسي، وموقف الرئيس فلاديمير بوتين من بشار الأسد وأمر بقائه في السلطة في سوريا.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)