وتسعى روسيا في مجال العلاقات الدولية لإيجاد حلول سياسية سلمية للأزمات التي تواجه المجتمع الدولي، في إطار من الاحترام المتبادل وميثاق الأمم المتحدة والأعراف الدولية التي تؤكد على سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وضرورة مكافحة الإرهاب، وعدم القبول باستخدام الجماعات المسلحة وعناصر "اللا دولة" لتغيير أنظمة الحكم ومحاولات استخدام القوة على غير سند من القانون الدولي المعاصر، بهدف فرض واقع سياسي جديد على الشعوب.
التوجه السياسي الروسي لم يكن يوما وليد الصدفة أو رد فعل على الأزمات والتحديات الخطيرة التي يتعرض لها عدد من المناطق في العالم، بل هو ميراث تاريخي لدولة عظمى تُدرك حجم مسؤولياتها في الدفاع عن مصالحها وأمنها القومي، وصيانة السلم والأمن الدوليين، وأهمية الحفاظ على دور الأمم المتحدة في تسوية النزاعات الدولية، ووعي تام بتداعيات تجاوز ميثاق المنظمة الدولية أو تهميش دورها وزعزعة شرعيتها والذي يمكن أن يؤدي إلى انهيار العلاقات الدولية.
شغلت العلاقات مع الدول العربية مكانة متميزة في السياسة الخارجية الروسية، في ظل ثبات المواقف الداعمة للقضايا العربية، فضلا عن استمرار جهود تطوير آليات التعاون المشترك في كافة المجالات لمواجهة الأخطار المختلفة التي تتربص بالمنطقة، وتهدد دور مؤسسات الدولة الوطنية في ظل تصاعد التطرف والتعصب الديني وتأزم الأوضاع الاقتصادية وحالة عدم الاستقرار الأمني.
يُدرك المتابع لتطورات السياسة الدولية العلاقات المتوازنة لروسيا مع دول الشرق الأوسط، في مختلف المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية، انطلاقا من الحفاظ على المصالح المشتركة، على عكس واشنطن التي تسعى للقيام بدور عسكري وبسط النفوذ والهيمنة السياسية، خصما من حق الشعوب في تقرير المصير.
الحوار العربي الروسي الذي يجري بصفة دورية تحت مظلة جامعة الدول العربية، إشارة بالغة الدلالة على عمق ما يجمع الجانبين والرغبة في تعزيز التعاون المشترك، في إطار من احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها، كما تعتبر الإمكانيات المتاحة للجانبين من تأثير سياسي وقدرات بشرية وموارد طبيعية، فضلا عن الجوار الجغرافي وما يحمله من بُعد استراتيجي، عنصرا مهما في مواجهة قوى الشر التي تنشر الفوضى والتطرف العنيف.
وأكدت رسالة الرئيس بوتين إلى القمة العربية في نواكشوط، على أهمية تضافر الجهود لتسوية الأزمات في سوريا والعراق وليبيا واليمن، حيث جاء فيها "روسيا مستعدة لاتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لتعزيز تعاونها مع جامعة الدول العربية في ضمان الأمن الإقليمي، ولا سيما في محاربة الإرهاب. ونحن ننطلق من أن التصدي لهذا الشر يجب أن يجري بموازاة جهود مشتركة تستهدف تحقيق التسوية السياسية للأزمات في سوريا والعراق وليبيا واليمن والنقاط الساخنة الأخرى، اعتمادا على مبادئ احترام السيادة وسلامة أراضي كافة الدول، وعن طريق الحوار الشامل وجهود البحث عن الوفاق الوطني".
رسالة روسيا إلى العرب تعكس رؤية واقعية للمشهد في المنطقة بكافة أبعاده، وقراءة سليمة لما يجري من أحداث منذ اندلاع ما يعرف بـ "ثورات الربيع العربي"، كاشفة حقيقة التحديات التي تواجه المجتمع الدولي خصوصاً الشعوب العربية، ورافضة التدخلات الغربية التي لم تجلب سوى الفوضى والإرهاب، وفرض واقع إقليمي جديد، يتجاهل التراث الحضاري والإنساني، وعدم احترام خيارات الشعوب.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)