سبوتنيك: أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عقب اجتماعه بنظيره الأمريكي جون كيري، في هامبورغ بألمانيا، عن وقف عمليات الجيش السوري بحلب، في الوقت الذي أصدرت فيه واشنطن قرارا برفع الحظر المفروض على توريد الأسلحة لحلفاء واشنطن في مجال مكافحة الإرهاب، في خطوة تعني استمرار الحرب في سوريا، كيف تقرأ ذلك؟
العبود: في تقديري، أن هناك اشتباك لا يزال قائما، ولكن أدوات الاشتباك هي ما يتغير من مرحلة إلى أخرى، وأعني أن هذا الاشتباك موجود بين الطرف الروسي والأمريكي، وهذا الاشتباك ربما في لحظة من اللحظات قد تتغير أدواته أو تتغير أشكاله.
في تقديري ما حدث مؤخرا في حلب كان خطوة هامة وكبيرة جدا للطرف الروسي، قام بتحقيقها بفضل موقفه وموقف حلفائه، وهو ما قام بوضع الطرف الأمريكي في موقف حرج في مفصل أساسي على مستوى المنطقة.
أما فيما يخص الموقف الأمريكي الأخير، فأنا أميل ميلا آخر تجاهه، ففي اعتقادي، إنه نتيجة لهذا الضيق والضغط الذي وضع فيه الطرف الأمريكي، فسيدفعه ذلك إلى الإذعان للطرف الروسي في عناوين أساسية، وسيحاول أن يقدم صورة توضح مواجهته للإرهاب، فالتصريح الأمريكي الأخير لا يأتي في سياق دعمه لحلفائه الذي نقرأه بالشكل المعتاد، وإنما رغبة منه في محاكاة الطرف الروسي بعد الضغط عليه في حلب وغير حلب، فهو إلى حد بعيد يريد تظهير عنوان الإرهاب على مستوى المنطقة، ويريد أن يبين أنه طرف مساهم في مواجهة هذا الإرهاب.
سبوتنيك: ماذا تريد واشنطن من استمرار دعمها للمعارضة المسلحة في سوريا؟
العبود: موقف واشنطن لابد أن يوضع في عدة مراحل وليس في مرحلة واحدة، فالمرحلة الأولى كان وقوفها إلى جانب ما يسمى بـ (المعارضة)، لكن في تقديري، أن هذا الموقف مر بمراحل متعددة أيضا، ففي المرحلة الأولى ربما كانت واشنطن تعول على آمالها السياسية والعسكرية في الميدان بإسقاط الدولة السورية، وكان هذا واضحا تحت شعار (الشعب يريد إسقاط النظام)، ثم خروج أوباما وإعلانه عن أن على الأسد أن يتنحى، لكن طبيعة الاشتباك في الميدان نقلت واشنطن إلى مرحلة جديدة، فأصبحت واشنطن تستثمر الأدوات السياسية والعسكرية باتجاه عناوين مختلفة، للمحافظة على الحد الأدنى من مصالحها في المنطقة بفضل (المعارضة السياسية، والمعارضة الميدانية). والآن أرى أن واشنطن في المرحلة الثالثة، وهي لأنها لا تستطيع الاستغناء عن أهدافها الميدانية والسياسية، فهي تستثمر فيها حتى اللحظة الأخيرة، لأن أي تنازل عن تلك الأهداف يعني أن واشنطن ذاهبة إلى الفراغ على مستوى المنطقة، ولأنها لا تريد الذهاب إلى هذا الفراغ فستستمر في اسثمارها لتلك الأهداف السياسية والميدانية لآخر لحظة من أجل الحفاظ على الحدود الدنيا من مصالحها، لهذا سوف تستثمر في أولئك المسلحين المحاصرين في منطقة صغيرة جدا في حلب، من أجل التفاوض مع الطرف الروسي على عناوين في أماكن أخرى معينة على مستوى الإقليم.
سبوتنيك: لماذا لا يقف مجلس الأمن على قرارات واشنطن من دعم المعارضة المسلحة في سوريا، وأين هو من قرارها الأخير برفع الحظر عن توريد الأسلحة لحلفائها هناك؟
العبود: في تقديري، أن المرحلة القادمة ستشهد بعض القرارات التي ستظهر في شكل متوافق ومتوازن فيما بينها، وستشهد أيضا قرارات ستبدو على أنها قرارات متناقضة، لكن هذا كله يدل على أن الإدارة الأمريكية الآن في لحظة محرجة جدا، وهي نتيجة طبيعية وموضوعية للفشل الذي لحق بالإدارة الأمريكية، ولذا أرى أن في الأيام القليلة القادمة سوف نشهد مواقف أمريكية أخرى مختلفة، وهي مواقف مذعنة إلى حد بعيد، والذي سيسوق لهذا الإذعان والذي سوف يسوق أيضا استراتيجية الانكفاء باتجاه الداخل، وسوف يسوق أيضا استراتيجية جديدة لجهة التعامل بالعناوين على مستوى الإقليم وعلى المستوى الدولي، (منصة ترامب) القادمة. لكننا نقول إن أوباما الآن يحاول بأي طريقة كانت — من خلال إدارته — أن يروّج للأمريكان بأن روح أيديولوجيا رأس المال التي أنشأت الإمبراطورية الأمريكية، لم تتأثر ولم تنهزم، ويريد ترحيل كل المشاكل والأزمات التي واجهتهم، لفترة ترامب المقبلة، فنحن نحتاج إلى أوقات طويلة ومطولة حتى نستطيع محاكمة ما يحدث الآن نتيجة سياسة الولايات المتحدة الأمريكية.
سبوتنيك: أعرب كيري للصحفيين عقب اجتماعه مع لافروف في هامبورغ، عن تفاؤله بإمكانية التوصل إلى اتفاق مع موسكو يسمح للمعارضة السورية بالخروج بسلام من شرق مدينة حلب المحاصر. وقال كيري إنه ينتظر "ردودا وآراء محددة"…
مالذي تنتظره واشنطن من موسكو بهذا الصدد؟ وماالذي عرقل وصول الطرفين إلى حل في تلك الجلسة، في اعتقادك؟
العبود: كيري لا يستطيع إلا أن يقول هذا الكلام، ولا يستطيع سوى أن يسوق مثل هذه المفردات، لكن في جوهر المسألة، وبنتائج الصراع الميداني، فالولايات المتحدة الأمريكية قد فشلت بالفعل، فعندما نتحدث عن سنوات عديدة من السيطرة على جغرافية معينة، وفي خلال ساعات يتم القضاء على تلك السيطرة، وتهرب تلك المجموعات التي تم تمويلها واستثمارها من خلال الطرف الأمريكي، فنتاج ذلك كله أن الطرف الأمريكي في ورطة.
وفي تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الكثير من المفردات المتناقضة، فإذا أخذنا حديثه على ظاهره، وبأن هناك اتفاق فعلي مع الطرف الروسي على خروج المعارضة من حلب، فإذا كانت هذه المعارضة من الجسد الحقيقي لأهالي حلب، كيف سيقبل الأمريكان خروجهم منها بالأساس؟! فمفردات وزير الخارجية الأمريكي المتناقضة ما هي إلا تعبير عن الهزيمة السياسية والعسكرية التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية في حلب.
سبوتنيك: بنظرة شمولية، في الآونة الأخيرة رأينا تصريحات للغرب وواشنطن تقول بأن حلا سياسيا في سوريا يعتبر الرئيس بشار الأسد جزءا منه، تزامنا مع تسليح واشنطن للمعارضة..
كيف نوفق بين الاتجاهين ؟
العبود: هذا تعبير عن الفشل الذريع الذي تعرضت له الولايات المتحدة الأمريكية، فكيف هي من جانب تدعم المعارضة، ثم تعود للقول بأن الرئيس الأسد هو جزء من حل الأزمة!!
هذا يعني أن واشنطن تراجعت عن جلّ المقدمات التي ساقتها منذ مطلع العدوان على سوريا. فهي لسنوات عديدة مضت، كانت تسوق إلى أن الرئيس الأسد ليس جزءا من المشهد السوري، واليوم تقول هو جزء من المشهد السوري لكن هناك معارضة، وسوف يأتي يوم قريب تقول فيه أمريكا إن سياسة الرئيس بشار الأسد هي جزء أساسي من المشهد السياسي في سوريا، لكن هذه المرحلة ليست هي المواتية للتعبير عن هذا الموقف السياسي، لأن أي تخلٍّ كامل للولايات المتحدة في هذا الوقت عن كل أدواتها سيقودها إلى الفراغ الذي تحدثت عنه قبل قليل، والذي لا ترغب بالذهاب إليه.
حوار: دارين مصطفى
