لم يكن مفاجئاً أن يبايع زعيم جماعة (بوكو حرام) النيجيرية، أبو بكر شيكاو، زعيم تنظيم (داعش)، أبو بكر البغدادي، "خليفة للمسلمين" وفقاً لما قاله شيكاو في تسجيل صوتي تم بثه يوم الأحد الماضي، فالتنظيمان يشتركان في أيدولوجية التطرف ذاتها واستخدام أساليب وأدوات دموية في القتل، والاسترقاق والعبودية والخطف والترويع، تحت ستار من تحريف للعقيدة الإسلامية وتعاليمها.
ويمكن لجماعة (بوكو حرام) وزعيمها الادعاء بأسبقية استخدام تلك الأساليب والأدوات، فالجماعة أمعنت خلال السنوات القليلة الماضية في عمليات قطع الرؤوس والحرق والسبي والتفجيرات الانتحارية، ومبايعة شيكاو للبغدادي تسويق للتطرف الدموي ليس إلا في هذا الجانب، غير أن من شأن ذلك تغيير نظرة المجتمع الدولي إلى الصراع في شمال شرقي نيجريا، فحتى الآن يجري التعامل معه كصراع داخلي نيجيري، له امتدادات إقليمية، لكن المبايعة ستضفي عليه بعداً دولياً.
واضفاء بعد دولي على الصراع في نيجيريا سيفرض، في شكل أو آخر، توسيع نطاق التدخل الخارجي في مواجهة جماعة (بوكو حرام)، من تدخل إقليمي محدود داعم للحكومة النيجيرية إلى مشاركة دولية، من المقدر أن تلعب فرنسا دوراً كبيراً في بلورتها وتنسيقها، بحكم اعتبار التحالف الغربي لمنطقتي غرب ووسط أفريقيا منطقتي نفوذ تقليدي لفرنسا، من مخلفات الحقبة الاستعمارية الأوروبية الغربية.
لكن من المرجح أن يكتفي التحالف الغربي، في المدى المنظور، بتوسيع عمليات الدعم اللوجستي لقوات دول بحيرة تشاد، الكاميرون وتشاد والنيجر بالإضافة إلى بينين، التي تدخلت عسكرياً في نيجيريا بقرار من القمة الأفريقية الأخيرة، بعد ما باتت تمثِّله جماعة (بوكو حرام) من تهديدات لدول الجوار، جذبت اهتمام الفاعلين الدوليين وحلفائهم الإقليميين.
النتيجة المتوقعة توجيه ضربات عسكرية للجماعة، في وقت تحقق العمليات الميدانية النيجيرية والإقليمية ضدها تقدماً ملحوظاً، إلا أن اضعاف (بوكو حرام) لن يحل المعضلات الرئيسية المسببة للتطرف والإرهاب في نيجيريا وبلدان غرب ووسط أفريقيا، لأن الحلول المعتمدة إقليمياً وغربياً لمعالجة تلك المعضلات تتبنى خيارات أمنية فقط، دون معالجة الأسباب الحقيقية لانتشار الظواهر الإرهابية المتطرفة، على رأسها هشاشة الدولة الوطنية ومؤسساتها، والاستبداد والتهميش وانتشار الفساد والفقر والبطالة والأمية، وتدني مستويات التنمية وانتهاك حقوق الإنسان.
والتعامل مع هذه الأسباب، ووضع حلول شاملة لها، هو المدخل الوحيد لتحقيق الاستقرار، من خلال إرساء حلول سياسية للأزمات، وتجفيف منابع التطرف والإرهاب، ولن تحقق العمليات العسكرية ضد جماعة (بوكو حرام) غايتها إذا لم تترافق مع حزمة من الخطط المدعومة دولياً للتنمية، والقضاء على الفساد والفقر والبطالة، ودمقرطة الأنظمة السياسية، والمشكلة نفسها تقريباً تعتري خطط التحالف الدولي والإقليمي ضد تنظيم (داعش)، فالتحالف لا يمتلك أي رؤية لمرحلة ما بعد المواجهة العسكرية.
وتصريح الرئيس الأميركي باراك أوباما، غير مرَّة، بأن المعارك ستمتد لسنوات يعبِّر عن الافتقار إلى أدوات للتعاطي مع التحديات المستقبلية في العراق والسورية، وينطبق الأمر على منطقتي غرب ووسط أفريقيا، مع مراعاة الاختلاف في الخصوصية، بالإضافة إلى مناطق أخرى مرشحة بقوة لأزمات وقلاقل كبيرة، لا يتم التركيز عليها حالياً، لأنه كما جرت العادة يسلط الضوء على المناطق الساخنة، بدل استدراك الأزمات قبل وقوعها.
من هذه الزاوية، إن معالجة أسباب ظهور الجماعات الإرهابية المتطرفة لا يقل أهمية عن مواجهتها بالقوة، فبقاء تلك الأسباب سينتج عنه في المستقبل ظهور جماعات ربما أكثر تطرفاً، المثال على ذلك تنظيم (داعش) بالقياس إلى تنظيم (القاعدة)، وسيطرة الجناح المتشدَّد على حساب الجناح المعتدل نسبياً داخل "حركة الشباب المجاهدين" الصومالية، بعد التدخل العسكري الأفريقي في الصومال، واستمرار وجود البيئة الاجتماعية الحاضنة للتطرف، للحيثيات المشار إليها.
ومبايعة شيكاو للبغدادي لا تضيف شيئاً مهماً على هذا الصعيد، فهي إعلان لحلف طبيعي بين تنظيمين متطرفين، التصدي لهما يتطلب رؤية شاملة لا تقتصر على منظور أمني، ومن الخطأ الجسيم أن لا ترتقي المعالجات الدولية والإقليمية إلى مستوى إلى التخطيط الاستراتيجي المتكامل في التعامل مع الأزمات القائمة والمتوقعة.