تعطي التطورات الميدانية على الساحة السورية انطباعاً كاملاً على أن الحل السياسي مؤجل بالفعل إلى أجل غير مسمى لصالح الحسم العسكري على الأرض، فنحن رأينا خلال الأسبوعين الأخيرين وخاصة الأيام الأربعة الأخيرة تسعير ميداني لم تشهد له مثيل الساحة السورية على الأقل منذ عامين مضيا، وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل وبشكل مباشر على أن القيادة السورية وحلفاءها وعلى رأسهم روسيا الاتحادية سائرون إلى آخر حد من المواجهة مع التنظيمات والمجموعات الإرهابية، التي لم تحترم أي هدنة أو حوار سياسي كان في أوجه في جنيف 3، وكادت جميع الأطراف أن تصل إلى نقطة البداية لانطلاق خطة خارطة الطريق للحل السياسي في سوريا. لكن وكما عودنا واقع الأزمة في سوريا على التراجع على الجبهة السياسية التي لم تخلو يوماً من تراشق الاتهامات بين جميع الأطراف، يقابله تقدم وتسعير واسع النطاق وعلى جبهات متعددة على أبواب كل مدخل إلى الحل السياسي تتوصل إليه القوى الدولية المتداخلة في الأزمة السورية أو الراعية للحل السياسي فيها.
أغلقت سوريا وروسيا آذانهما عن كل المهاترات والتصريحات السياسية الإقليمية التي تدعو إلى الحل السياسي من جهة، ومن جهة أخرى تقوم بدعم وتسليح المجموعات الإرهابية المسلحة كي تحقق أي مكتسب ميداني يجعلها في موقف يسمح لها بالضغط ووضع الشروط التي تناسبها للبدء في عملية الانتقال السياسي. لكن المعارك والجبهات التي يخوض فيها الجيش السوري وحلفاؤه ضد التنظيمات الإرهابية، وخروج الطيران الاستراتيجي الروسي من قواعده وضربه لمخابىء ومستودعات ومراكز قيادة تنظيم "داعش" في منطقة تدمر والتقدم على جبهات ريف حمص الشرقي بشكل عام، وصولاً إلى إطباق الحصار على مدينة حلب، وامتداد سيطرة الجيش على طرق الإمداد لـ"داعش" حتى الرقة ودير الزور، وصولاً إلى الجبهة في جبال اللاذقية شمالاً، يعطي تصوراً أن الأيام القادمة سوف تشهد تغيراً ميدانياً حاسماً، في ظل تقهقر وهروب عناصر هذه المجموعات من أماكن تواجدها وتوجهها إلى تركيا، التي أعلن رئيس وزرائها بن علي يلدريم على الهواء مباشرة أن بلاده متفائلة بتطوير العلاقات مع روسيا وحتى إسرائيل، وترغب في إعادة العلاقات مع سوريا ووعد ببذل الجهود لتحقيق الأمن والاستقرار في هذا البلد الجار والسير في طريق مواجهة الإرهاب.
إعداد وتقديم نواف إبراهيم
