من جنيف الإعلامي والمحلل السياسي أحمد حاج علي
إعداد وتقديم نواف إبراهيم
مرحلة التصعيد الميداني والسياسي التي تمر فيها سورية هذه الأيام هي من أشد المراحل تعقيداً وتشابكاً وتقاطعاً في مختلف الإتجاهات ،ومحاصرة بعقد يصعب فكها وحلها. رغم الظروف الصعبة التي تمر بها الأزمة السورية ، نرى أن الطرف السوري الحكومي بدعم من حلفائه ، هو الطرف الأكثر هدوءاً ووعياً وقدرة على التعاطي مع المتغيرات الجارية ، وجميع محاولات الضغط والمناورة التي تقوم بها الأطراف الأخرى.
شهدنا الإنتصارات في الميدان ، وشهدنا قوة الموقف السياسي للوفد الحكومي السوري في جنيف بشخص رئيس الوفد الدكتور بشار الجعفري ، الذي حدد أولويات المحادثات بدقة ، ووجه رسائل إلى جميع الأطراف بأن الدولة السورية رغم كل مايجري هي ذاهبة نحو الحل السياسي، لكن بالشروط التي تضمن الحفاظ على الثوابت السورية، ووجه الجعفري أصابع الإتهام بدعم الإرهاب إلى الدول التي تدعم المجموعات الإرهابية ، بما فيها الفصائل المسلحة التي شاركت في محادثات أستانة ن بعدما تم إعتبارها معارضة معتدلة ، وحدد الجعفري الدول التي تسوق كل مجريات الأحداث في الإتجاه المخالف للمسار السياسي.
أما وفود المعارضة فبقت على ماكانت عليه في الجولات الأخرى في الشرط والطلب ن مع ظهور الإرتباك عليها بعد فشلها في تحقيق أي مكسب في الميدان يحقق لها مساحة مريحة في المناورات السياسية ، وإتضح من كلام نصر الحريري الذي قال أنه لا توجد أي نية لهم لمناقشة سلة مكافحة الإرهاب قبل مناقشة عملية الإنتقال السياسي ، مايعني أن العنف في الميدان سيستمر ، والإرهاب سيستمر في سورية حتى إشعار آخر ، ما أربك المبعوث الدولي الخاص إلى سورية ستيفان ديمستورا ، الذي صرح أن محادثات جنيف ستكون صعبة جداً لكن هذا لايعني فشلها.
بالمقابل ربط وفد الرياض سلة مكافحة الإرهاب كبند مؤجل بمادلة الإنتقال السياسي وعاد الى المربع الأول ، ما يعني محاولة إجبار سورية التسليم بالأمر للتحالف الذي تقوده تركيا والسعودية بعد كل هذه التضحيات والتنازلات التي تقدمها الحكومة السورية والأطراف المتحالفة معها كرمى للحل السياسي من خلال جعل وفد جماعة الرياض الحرب على الإرهاب كبند مؤجّل بمعادلة الانتقال السياسي، التي تعني تسليم سورية للتحالف الذي تقوده الرياض وأنقرة.
بهذا الصدد يقول الدكتور العكام:
هذا المنهج ليس بجديد على معارضة الرياض ،بل شهندناه في موقف مايسمى بالمعارضة في محادثات جنيف في عام 2014 ن وكانوا يقولون أن الإرهاب تمارسه الدولة ، وعندما إفتتضح دورهم أنذاك قالوا لايمكن أن ينتهي الإرهاب قبل أن نبدأعملية الأنتقال السياسي، وهذا يوشر إلى أن داعمي الحرب الإرهابية الجارية في سورية ومهندسوها مارسو الإرهاب من أجل تحقيق نتائج سياسية ، وهذه النتائج لم يحصلوا عليها حتى الآن، بل النتائج في الميدان ، وفيالساحة السياسية جاءت عكس مايرديونه ، والمقاربة التي قدمها مايسمى بوفد معارضة الرياض يعيد الأمر إلى المربع الأول ، ويؤكد الحقيقة التي تكلمنا عنها ، هي أنهم مازلولوا يستثمرون في الإرهاب لتحقيق نتائج سياسية ، وفي الحقيقة لايمكن لهم الحصول عليها بعد النتائج الميدانية بعد هذا التصعيد الذي أجروه قبل هذه الجولة و إنتهى لمصلحة الجيش السوري والشعب السوري سواء في جوبر أو في حماه.
واردف الدكتور العكام يقول:
إن ديمستورا لم يعد يمثل الأمين العام في طريقة تعاطيه الحالية ، وفي منهجيته وسلوكه الذي عقد الأمور ، و كونه مفوضا بإسم الامين العام كان عليه أن يكون على مسافة واحدة من جميع الأطراف ، لأنه بات موجهاً من الولايات المتحدة والدول الداعمة للإرهاب ، لكن الدكتور بشار الجعفري والوفد المرافق بدبلوماسيتيه العالية استطاع أن يعيد الأمر إلى صوابه كما في كل مرة ، ومن هنا نرى أن ديمستورا لايريد أن تنتهي الحرب قريباً.
وحول الموقف الروسي في ظل التدخل الأمريكي في المشهد السوري عن بعد قال الدكتور العكام:
نحن نفهم أن هناك مواجهة بين الحليف الروسي والطرف الأمريكي ، والحضور الروسي الميداني والسياسي بات أكبر بكثير مما كان عليه قبل 30.09.2014 ، فقد كان في البداية في الجو ، أصبح الآن في المصالحات وهناك خبراء على ألارض ، هذا الحضور الميداني لم يعجب الأمريكي ، والحضور السياسي رأيناه في إستمرار دعم هذه الجولات السابقة ، ورأينا أن المحادثات تصل إلى مأزق ، وبالمقابل كنا نرى أن الحضور الروسي يجعلها تستمر ، إضافة إلى حضور الوفد السوري الفاعل ، وهذا مالم يروق للأمريكي والدول الداعمة للإرهاب ، ضف على ذلك تضحيات الجيش السوري والشعب السوري والإنتصارات المحققة ، ماجعلهم يرتبكون في الساحتين الميدانية والسياسية ، ومن هنا بدأوا بتنفيذ بعمليات إرهابية قبل هذه الجولة وبين الجولات الأخرى ، هم يريدون تخريب كل البيئة السياسية التي ساهم فيها الحضور الروسي في أستانة وجنيف ، ويريدون تخريب هذه الجولة وتخريب الحوار السوري السوري.
وختم الدكتور العكام قائلاً: الآن عدنا الى المربع كما كنا في جنيف "4" ، يريدون أن نراوح فيما بيننا ، ويتوقعون أننا سنراوح على الأرض ولا أعتقد ذلك سيتحقق ، والمايسترو الذي هندس هذا الإنقلاب الحالي هو الأمريكي لأنه يريد أن يكون مكافئاً للحضور الروسي، لذلك فهو يحضر أوراق جديدة من خلال التحالفات التي يشكلها ،وانا أعتقد أن هذه الجولة ستنتهي في "31.03.2017 " ولن يكون هناك جولة قريبة لا في أستانة ولا في جنيف.
أما الكاتب والمحلل السياسي أحمد حاج علي من جنيف يقول معلقاً على الجولة الحالية :
منذ الجولة السابقة لجنيف كان واضحاً أن مايسمى وفد الرياض يعود إلى المربعات الأولى ، بالأضافة إلى التناقضات التي تشوب تركيبة وهيكلية هذا الوفد ، والخلافات مابين مايسمى بالإئتلاف السورين ومايسمى بالهيئة العليا للمفاوضات ، وتكرار التغيرات المستمرة في تركيبة هذا الوفد لم تصل الى نتيجة مرضية يمكن أن تضعه على منصة سياسية دولية يمكن أن يخاطب فيها وفد الجمهورية العربية السورية بشكل مباشر، وان يتحلى بكل أدبيات الدبلوماسية وأطر السياسة العامة في الحوار في مثل هكذا أزمات.
ويستطرد الحاج علي قائلاً: هم يعودون إلى المربعات الأولى ويصرون على مناقشة مايسمونه الحكم الإنتقالي ، وقد ماتعارف عليه بقرار الحكومة في القرار 2254 ، هم يصرون على عدم إعطاء أي دور للرئيس السوري بشار الأسد في عملية الإنتقال السياسي ، ويعتبرون أنه لامجال لمحاربة داعش إلا بإزالة النظام ، وهم يتجنوبون الخوض في أي نقاش يخص جبهة النصرة الإرهابية ، التي يتنمي إليها بعض أعضاء وفد مايسمى بالهيئة العليا للمفاوضات وفد الرياض. والأحداث التي تكررت في جولات أستانة وجنيف الماضية ، والتصعيد العسكري الذي تشهده ضواحي العاصمة دمشق حي جوبر وأرياف حماه وربما مناطق أخرى ، كلها تسعى إلى خلط الأوراق ، وهناك محاولات تنصل لمشغلي الفصائل المسلحة ومشغلي وفد مايسمى بالهيئة العليا للمفاوضات ، لخلط الأوراق للحصول على إنجاز سياسي إنطلاقا من التصيد العسكري الذي تشهده سورية هذه الأثناء من قبل المجموعات الإرهابية ومن قبل جبهة النصرة وأخواتها.
وختم الحاج علي حديثه حول إمكانية ذهاب الحكومة السورية وحلفائها نحو أي تنازل قائلاً:
لايوجد أي تنازل يمكن أن تقدمه سورية على حساب سيادتها ، وعلى حساب الأمن القومي السوري ، وعلى حساب مصير الشعب السوري ، أي تنازل هو بالمطلق مرفوض من قبل وفد الجمهورية العربية السورية ، وبالطبع هناك إشتباك سسياسي لم يتطور الى إشتباك ميداني مابين روسيا وأمريكا وحلف الناتو ، وبالرغم من الأتفاقات الروسيىة التركية مازلنا نرى الأزدواجية في التعامل من قبل التركي ، الذي يحاول أن يحصل على مكتسبات من خلال تحسين علاقاته وإتفاقاته مع روسيا من جهة ، ومن جهة أخرى يحاول تسويق نفسه وبيعها لإدارة ترامب ، بعد الفشل الذريع لهذه العلاقة مع إدارة اوباما ، كل هذه الأمور تؤشر إلى إشتباك حاد جداً يبقى فيه الميدان سيد الموقف ، وهو الذي يقرر مصير ومسار كافة المنصات وكافة المسارات سواء في أستانة أو في جنيف.
