وكذلك مواجهة الهجرة وما وصفه بالخطر الروسي على شرق وجنوب حدود الحلف، مشدداً على ضرورة التزام الدول الأعضاء في الحلف بحصصها المالية، مطالبا الجميع بدفع المخصصات لزيادة النفقات الدفاعية.
أما بشأن دول البلطيق، فإن الرعب عند هذه الدول طبيعي، والناتو يدرك أن روسيا لا تنوي مهاجمتها أبدا. ولكن الحلف، ليس بنية سياسية أو جمعية خيرية. فهو قبل كل شيء حلف عسكري قوي، وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي بات في وضع حرج جدا، لأنه لم يعد يعرف ضد من سيكون عليه أن يحارب. والآن عندما يطرح السؤال الآتي من المعتدي؟ هل هي روسيا؟ يقولون — لا، الصين — أيضا لا! إذا من؟ يقولون إنه عدو افتراضي. على كل حال لم يعد هناك أوهام لدى أحد وقد أصبح الأمر واضحا الآن فروسيا عدوة، ويجب مواجهتها.
فيما يتعلق بتوسع الناتو شرقا، فإن هذا الأمر سيستمر، لأن هدفهم هنا هو دول البلقان. ولم يبق سوى صربيا تقف عائقاً، لأنها لا تريد قطع علاقاتها بروسيا كما فعلت جمهورية الجبل الأسود. أما فيما يخص جورجيا وأوكرانيا فمن غير المرجح قبول هاتين الدولتين أعضاء في في الحلف، لأنه إذا قُبلت أوكرانيا اليوم في الحلف، فغدا سيهاجم الرئيس بيترو بوروشينكو شبه جزيرة القرم، ويطالب بتنفيذ المادة الخامسة من ميثاق الحلف. وهذا ليس من مصلحة أوروبا وحتى الولايات المتحدة.
وبشأن تعاون روسيا مع الناتو، فإن الحلف ليس مستعدا للتعاون حاليا، فقد جمد الاتصالات كافة مع روسيا في المجال العسكري عام 2014. وهذا القرار اتخذ بالإجماع، وإلغاؤه يجب أن يكون بالإجماع أيضا.
وردا على سؤال عما إذا كان يخشى من نشوب سباق تسلح جديد على خلفية زيادة النفقات العسكرية، أصر ترامب على أن كافة النفقات الأطلسية "متزنة وتحمل طابعا دفاعيا"، وليست إلا ردا متوازنا على خطوات روسيا.
المفاجأة الثانية هي عندما أثار ارتباكا في نفوس نظرائه، بلهجته الفظة، حين بدأ الحديث عن ديون الحلفاء المترتبة لأمريكا، أثناء افتتاح نصب تذكاري لضحايا الإرهاب بمقر الناتو، إذ حذر من تكرار هجوم مانشستر في حال عدم وفاء أعضاء الناتو جميعهم بالتزاماتهم المالية.
من اللافت أن قرار انضمام الناتو للتحالف المناهض لداعش، أيضا جاء بمبادرة واشنطن، التي تسعى لإيجاد قاعدة جديدة لتنسيق جهود المشاركين في عمليات التحالف في العراق وسوريا.
أمين عام الحلف، ينس ستولتنبرغ أشار في هذا السياق، إن الأطلسي لن يشارك في العمليات القتالية ميدانيا، لكنه سيشارك في المناقشات السياسية بين أعضاء التحالف، بما في ذلك جهود التنسيق وإجراءات التدريب.
وأوضح أن قرار الناتو بإنشاء وحدة معنية بمحاربة الإرهاب، يهدف إلى رفع مستوى تبادل المعلومات بين أعضاء الناتو، ولاسيما فيما يخص البيانات حول المرتزقة في صفوف التنظيمات الإرهابية. هذا وقرر ستولتنبرغ تعيين ممثل رفيع المستوى عن الناتو في منصب منسق تنفيذ الخطة الأطلسية لمحاربة الإرهاب.
الشعيرات والتنف تحدي وقح لموسكو وطهران ودمشق
قيام الرئيس دونالد ترمب بتوجيه ضربة جوية للقوات السورية في الشعيرات، وقصف قوات حليفة للجيش السوري في منطقة التنف، شكّل نقطة تحولٍ إستراتيجية لا في الملف السوري وحده بل في منطقة الشرق الأوسط عامة.
فهذه الضربات تشكل رسالة واضحة إلى جهات متعددة؛ أولاً، إلى القيادة السورية لتقول له بأن ترامب لا يرسم خطوطاً حمراء على رمال متحركة، كما فعل الرئيس السابق أوباما. ثانياً، إلى إيران لتقليص تدخلاتها بالمنطقة ولجم نفوذها. والرسالة الثالثة موجهة إلى الدول العربية ذات العلاقات التقليدية مع الغرب، لتقول لها بأن أميركا لن تترك حلفاءها.
إذاً تعزز الولايات المتحدة وحلفاؤها مجموعة قواتها الخاصة في جنوب-شرق سوريا، في المنطقة التي تدور فيها المعارك بين القوات الموالية للجيش السوري وفصائل المعارضة المسلحة، وتحاول البلدان الغربية الحؤول دون الاستيلاء على موقعها الأساسِ فيها. أما القوات السورية والرديفة فهي مستمرة في التقدم نحو الحدود العراقية غير مبالية بخطر تعرضها لغارات جوية من قبل طيران التحالف.
الولايات المتحدة وبريطانيا كانت قد أرسلت مؤخراً 150 عسكريا من قواتهما الخاصة مجهزين بكامل العتاد القتالي، والذين كلفوا بدعم فصائل المعارضة المسلحة في هذه المنطقة، ثم التحقت بهم مفرزة من القوات النرويجية الخاصة.
تتمركز فصائل المعارضة والقوات الأجنبية الخاصة في منطقة التنف التي تبعد 20 كلم عن الحدود العراقية، والتي يوجد فيها أحد أضخم معسكرات تدريب مسلحي "الجيش الحر". وبهذه الخطوة، بعثت الولايات المتحدة بإشارة إلى دمشق بأنها لن تسمح بتعريض قاعدتها لأي خطر.
عموما بغض النظر عن المخاطر والتهديدات، تواصل قوات الحكومة السورية في تقدمها وخاصة تشكيلات الحشد الشعبي العراقية، حيث تمكنت من الاستيلاء على عدة قرى ومراكز سكنية صغيرة في محيط تقاطع زازا الاستراتيجي. وبحسب المصادر العسكرية أصبحت هذه القوات على بعد 30 كلم من بلدة التنف، حيث تعتقد القيادة السورية بأن البلدان الغربية سوف تتجنب المواجهة وتقرر نقل قاعدتها من التنف.
وفق تقديرات كبار الخبراء العسكريين فإن الوضع في جنوب شرق سوريا متوتر جدا، ويتفاقم أكثر لعدم وضوح خطط الجانبين. واهمية هذه المنطقة تكمن بوجود طريق بغداد، الذي عبره سيكون بالإمكان نقل الآليات والمعدات العسكرية من إيران إلى سوريا.
على كل حال فإن تنفيذ عملية عسكرية كبيرة لفتح طريق دمشق-بغداد الاستراتيجي أصبح ممكنا بفضل سلسلة من الإصلاحات والحيل الحربية، التي نفذت على امتداد الأشهر الستة الماضية. والهدف الرئيسي هو إحكام السيطرة على الحدود مع الأردن والعراق.
إذا تمكنت القيادة العسكرية للجيش السوري بفتح هذا الطريق المهم، فإن هذا لن يقتصر على إعادة التعاون العسكري الكامل بين بغداد ودمشق فحسب، بل سيعيد فتح الطريق البري الملائم مع إيران، البلد الذي آزر سوريا منذ بداية الأزمة والتي حصلت على جزء كبير من الدعم العسكري والمالي.
لكن بعض الخبراء العسكريين يرون أن التركيبة التآمرية غير قائمة وتعاني تصدعا مع ظهورها الأول لأسباب عديدة، أهمها: أولا، لا أحد يستطيع أن يتنبأ متى ستنتهي الحرب في سوريا، ويستتب الاستقرار الى الحد، الذي يسمح بمد خط أنابيب غاز جديد. ثانيا، إن الحرب والسلام من حيث المبدأ لم تدر نهائيا ولا تدار الآن حول — أنابيب وأسلاك وغيرها.
إعداد وتقديم: نوفل كلثوم