طبعا لم يعد الأمريكيون يخفون دعمهم لتنظيم "داعش" الإرهابي، حيث فضحت الصور الفضائية التي نشرها الخبراء العسكريون الروس تعاون القوات الأمريكية التي تتواجد في مناطق "داعش" في ريف دير الزور إلى جانب ما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة أمريكيا بدون أي اشتباكات.
وقد أعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن قلقه إزاء "أنصاف الإجراءات" التي تطبقها واشنطن في سوريا، واتهم التحالف الذي تقوده أمريكا، بتدبير "استفزازات قاتلة" ضد القوات الروسية.
وقال لافروف: عندما يجري اتباع معايير مزدوجة، حيث ينقسم الإرهابيون إلى "أشرار" و"ليسوا أشرارا بالقدر الكافي"، وعندما يجنّد التحالف أعضاءه على أسس سياسية، من دون اعتبار لضرورة موافقة مجلس الأمن على نشاطاته، فإنه من الصعب أن نتوقع نجاح مثل هذا التحالف في محاربة الإرهاب بفعالية. في الواقع، إن الضربات التي شنتها القوات الجوية الروسية والجيش السوري هي التي أدت إلى انهيار داعش.
ولفت لافروف إلى أن نشاطات القوات التي تقودها الولايات المتحدة في سوريا تثير كثيرا من التساؤلات، طبعا ما قصده الوزير لافروف هي ما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية" ذات النزعة الانفصالية
تشن هذه القوات ضربات في بعض الحالات، ويقال إنها غير مقصودة ضد الجيش السوري، وبعدها يشن الدواعش هجمات مضادة. وفي بعض الحالات، تشجع هذه القوات على نحو غير مباشر إرهابيين آخرين على مهاجمة مواقع استراتيجية، استعادت دمشق سيطرتها الشرعية عليها مؤخرا، أو تعمد الدخول في استفزازات قاتلة ضد قواتنا. وهذا ناهيك عن الهجمات الكثيرة "غير المقصودة" ضد البنية التحتية المدنية التي قتلت مئات المدنيين.
وحول الرد الروسي على الاستفزازات الأمريكية القاتلة التي أدت إلى مقتل ضباط روس، قال الكاتب والصحفي أندريه أونتيكوف:
أريد أن أذكركم أن وزارة الدفاع الروسية صرحت أنها قضت على قادة جبهة النصرة، ولكن بعض المعلومات من مصارد عسكرية تقول إن قادة جبهة النصرة كانوا يشاركون في مفاوضات مع ممثلين للاستخبارات المركزية الأمريكية رفيعة المستوى، وكانوا تحت حراسة من قوات أمريكية خاصة، وقد قتلت الضربات الجوية الروسية ممثلين الاستخبارات المركزية الأمريكية الذين كانوا في اجتماع مع جبهة النصرة، وهذا هو الرد الروسي واضح تماما، ورسالة للولايات المتحدة الأمريكية بأن روسيا لن تقبل مثل هذا التصرف، وحتى أني أستطيع القول إن مثل هذه الضربات كانت انتقاما لمقتل الجنرال الروسي فاليري أسابوف، كما أن هناك بعض المعلومات تتحدث عن أن مقتل الجنرال الروسي كان نتيجة تعاون الإرهابيين مع الاستخبارات المركزية الأمريكية، لذلك لدى روسيا الكثير من الوسائل لتنتقم وترسل رسائل واضحة للولايات المتحدة الأمريكية، وأستطيع أن أقول لكم إن روسيا تعرف أسماء قادة القوات الخاصة الأمريكية المتواجدين في سوريا، كما أن روسيا تعلم أماكن تواجدهم في سوريا، ونحن نعلم أن تواجد هؤلاء غير شرعي، وقد أشارت روسيا مرارا إلى ذلك، كما أن روسيا قادرة وجاهزة لتنفيذ ضربات ضد مواقع هؤلاء العسكريين الأمريكيين في سوريا، وهذا هو الرد الروسي، طبعا لم نسمع تصريحات رسمية عن هذا الرد من قبل روسيا أو حتى من قبل الولايات المتحدة التي لم تعترف بمقتل أو إصابة عناصر من قواتها، ولكن أنا أعتقد أن روسيا ستشن ضربات ضد عناصر الاستخبارات الأمريكية المتواجدين بشكل غير شرعي في سوريا، وهذا سيكون الرد الروسي على التصرفات الأمريكية.
وحسب الصحفي الروسي أندريه أونتيكوف وبناء على مصادر عسكرية أن الضربات الروسية استهدفت عناصر استخبارات مركزية أمريكية كانت تشارك في اجتماعات ومفاوضات مع "جبهة النصرة".
بينما صرح المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، اللواء إيغور كوناشينكوف، بأن العائق الرئيسي الذي يعرقل القضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا ليس قدراته القتالية، بل تلاعب الولايات المتحدة معه ودعمها له.
وأضاف بيان وزارة الدفاع الروسية، أن مجموعة الإرهابيين، "نجحت بالالتفاف على كافة المركز السرية للقوات السورية في منطقة عقيربات…ليس عن طريق الصدفة بتاتا".
وأشار البيان إلى أن المقاتلين حصلوا على إحداثيات دقيقة، "يمكن الحصول عليها فقط عبر الاستطلاع الجوي…".
وقال كوناشينكوف: "هجمات الإرهابيين المذكورة، يجمعها شيء واحد، كلها انطلقت من منطقة حول بلدة التنف على الحدود السورية الأردنية، ذات المنطقة التي تتمركز فيها "البعثة العسكرية الأمريكية"…".
وحذرت وزارة الدفاع الروسية الولايات المتحدة من أنه إذا ما اعتبروا هجمات "داعش" الأخيرة صدفة، فإن روسيا يمكننها تدمير هذه الصدف بالمناطق التي تحت سيطرتهم بسوريا.
بينما قال الخبير الاستراتيجي كمال جفا عن كيفية ردع القوات الأمريكية في استهداف البنية التحتية السورية والمدنيين:
الولايات المتحدة تختلق الذرائع لاستهداف القوات السورية أو الحلفاء، ومن ثم تتحدث أن ذلك كان عن طريق الخطأ، ومن ثم يستغل تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" ليقوم بعمليات عسكرية ضد الجيش السوري، كما حدث في ريف حماه الشمالي حيث خططت جبهة النصرة لأسر 29 جنديا روسيا كانوا يقومون بعملية المصالحة والمراقبة في شمال حماه ليتم تطبيق مقررات "أستانا6"، وقد فشلت عملية جبهة النصرة، وكان الرد الروسي كبيرا جدا، والذي لم تتوقعه لا "المعارضات" ولا الدول الداعمة لها.
تدير دفة الحرب الإرهابية على سوريا جهة واحدة حتى لو كان لها عدة مراكز، وخلال سنة دمرت الولايات المتحدة كل الجسور والبنية التحتية التي بنتها الدولة السورية خلال عشرات السنين فوق نهر الفرات لتسهيل عملية العبور والنقل ما بين كل المناطق السورية، والسبب في تدميرها هو منع قوات الجيش السوري والحلفاء من العبور إلى ضفاف الفرات، لأنه ما كان مخطط له من قبل الولايات المتحدة هو التقسيم وإعطاء الدعم ل"قسد" بالسيطرة على مناطق شرق وشمال سوريا، ولكن قام الجيش الروسي ببناء جسور عائمة لانتقال القوات السورية إلى الضفة الشمالية لنهر الفرات بعد تحرير دير الزور.
وتحدث الخبير الاستراتيجي كمال جفا عن أن الضربات الجوية الروسية ضد "جبهة النصرة" هي رسالة مباشرة للولايات المتحدة الأمريكية التي لا تستطيع أن تصرح بأنه كان لديها خبراء أمريكيون يعقدون اجتماعا مع أبو محمد الجولاني متزعم "جبهة النصرة"، ولكن حسب المشاهد التي وزعتها غرفة العمليات الروسية تشير إلى أنه هناك وفد من "سي آي ايه" كان يعقد اجتماعا مع عناصر جبهة النصرة لحظة استهداف الطيران الحربي الروسي للمكان، وهذا دليل كاف على أن هناك عمليات تنسيق بين المخابرات الأمريكية و"جبهة النصرة الإرهابية"، ورغم أنه لم ترشح معلومات حول عدد القتلى ومن هم القتلى الذين سقطوا جراء الغارات الروسية على اجتماع لقادة النصرة والخبراء الأمريكان، ولكن الأيام القادمة ستكشف الكثير عن هذه الضربة التي هي رسالة روسية موجهة بشكل مباشر للرئيس الأمريكي والبنتاغون، كي يتوقفوا عن استهداف القوات الروسية أو تسريب معلومات إلى "داعش" أو إلى "جبهة النصرة"، مع الملاحظة أن الضربات الجوية الروسية على مواقع الإرهابيين على الحدود السورية التركية كانت بناء على معلومات من الجانب التركي، وهذا تطور جيد وكبير جدا، وهو بمثابة رسالة أيضا للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يعني أن تركيا وضعت أوراقها في السلة الروسية، وستعملمعها على إنهاء المشروع الأمريكي الذي يهدد بتفتيت سوريا أولا وتركيا فيما بعد، فيما إذا أنشئت دولة مستقلة في شمال العراق.
جدير بالذكر أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافراف شدد على أن مشاركة روسيا في القتال ضد "داعش" لا ترمي إلى ضمان الأمن الوطني الروسي فحسب، بل وإلى تعزيز الأمنين العالمي والإقليمي، مؤكدا قناعة موسكو العميقة بأن استخدام القوة وحده ليس كافيا للقضاء على الإرهاب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وأضاف تتمثل ميزة سياساتنا في أنها لا ترمي لخدمة أجندة خفية. وفي هذا الإطار، ننوي تعزيز جهودنا من أجل تسوية الأزمات والصراعات الكثيرة.
إعداد وتقديم: نزار بوش