وقدم تنازلات فيما يخص تخفيض الضرائب والتوقف عن زيادة أسعار المحروقات، لكنه في نفس الوقت أعلن حالة طوارئ اجتماعية اقتصادية، إذاً ماذا يمكن نسمي هذه الاحتجاجات التي أدت إلى تخريب في كثير من مؤسسات وشوارع المدن الفرنسية، هل هي بداية ثورة وانطفأت، أم أنها احتجاجات من أجل مطالب شعبية ولكن استطاع الرئيس ماكرون الانتصار عليها، وأسئلة كثيرة تطرح نفسها. وهل توفت الجمهورية الفرنسية كدولة عظمى ولاعب أساس على الساحة الدولية وفي حل القضايا الساخنة؟
هل انطفأت احتجاجات حركة "السترات الصفراء" بعد خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؟
يجيب المحلل السياسي أنطوان شاربتييه: نعم انطفأت حركة "السترات الصفراء" بعض الشيء، وليس بعد خطاب ماكرون، بل لأن هذه الحركة منذ البداية بدأت لتنتهي وليس لأن تدوم، فهي بدأت على أساس احتجاجات نزيهة ومحقة وقد شارك 80% من الشعب الفرنسي فيها، أما اليوم فنرى أن أغلب الشعب الفرنسي خرج من الشارع ولم يعد يرغب بالمشاركة في هذه الاحتجاجات من هذا النوع، وأصبح الصراع حول السلطة وليس من أجل حقوق شعبية، وهناك من يريد أخذ السلطة بقوة الشارع، أما بالرئيس ماكرون فهو رمى الفتات للشعب الفرنسي، ولم يعلن عن حلول فعلية وعملية تخفف من غضب الشعب الفرنسي وتريحه في حياته اليومية وخاصة لا زال الغلاء يسيطر على الحياة المعيشية الفرنسية، لكن الشعب الفرنسي سيرضى بهذا الفتات بسبب ما آلت إليه حالة "السترات الصفراء" من شغب وفوضى، وماكرون و"السترات الصفراء" يأخذون فرنسا إلى مكان لا أحد يريده من الفوضى والاصطدامات.
فيما قال الصحفي والمحلل السياسي الأمني توفيق قويدري شيشي:
إن الذي انتصر في فرنسا هو عودة الأمن، ولا أوافق مقولة أن الرئيس ماكرون رمى الفتات للشعب الفرنسي، فلا بد من مراعاة قدرة ميزانية الدولة الفرنسية والحكومة، ولا بد من التذكير بأن ميزانية فرنسا مرتبطة بسياسة الاتحاد الأوروبي، وكل المطالب التي رفعتها حركة "السترات الصفراء" كانت موجود منذ عهد الرئيس شيراك وفرانسوا أولاند وساركوزي.
هل يمكن أن نقول أن فرنسا توفت كدولة عظمى ولاعب دولي مهم في حل القضايا الدولية الساخنة، وما أسباب ذلك؟
يقول المحلل السياسي توفيق قويدري: نعم فرنسا توفت كدولة عظمى ولم تعد قوة سياسية مؤثرة وخاصة لأنها خلقت أعداء كثر، خلقت عداوة مع روسيا وخاصة في عهد الرئيس السابق ساركوزي، وخاصة الملف السوري، واستمر السيد ماكرون بنفس النهج ووصف بوتين بالخصم، وتصرف فرنسا غير المنطقي وفرض العقوبات على روسيا، وهذه السياسة والغطرسة الفرنسية انعكست عليها سلبا، زد على ذلك الخداع الذي مارسته فرنسا وتخليها عن إيطاليا، مما جعلها ضحية للفاشية الشعبوية التي تنمو كالفطريات في أوروبا، لذلك نستطيع القول إن فرنسا ليست بصحة لا مالية واقتصادية وحتى أنها ليست بصحة أمنية، وفرنسا أصبحت دولة مريضة، ويكاد المرض ينتشر في أنحائها، ولا يوجد لدى فرنسا مشروع اقتصادي واضح، ولا تستطيع فرنسا أن تحل مشاكلها الداخلية فما بالك أن تحل مشاكل سوريا والعراق ودول الساحل، وحتى أن أسلحتها تتآكل.
فيما أضاف أنطوان شاربتييه حول وفاة فرنسا كدولة عظمى، قائلا: أنا أوافق الرأي بأن فرنسا قد توفت كدولة عظمى، ولكن فرنسا بدأت بالانزلاق منذ عهد ساركوزي، ومشاركتها فيما ما يسمى "الربيع العربي" وبما حصل في الشرق الأوسط وفي حرب ليبيا وسوريا، والآن أرى أن هذا يرتد على فرنسا بسبب هذه السياسات العوجاء والتبعية للولايات المتحدة وبعض الشيء لاسرائيل، وزد على ذلك فهناك مشاكل داخلية في فرنسا ولا يوجد مشروع اقتصادي مبني على المصلحة العامة ومصلحة الشعب، فكل هذه المشاكل تتفاقم الآن، ونرى أن تداعياتها سلبية جدا، وإحدى نتائج هذه المشكلة هو انتخاب الرئيس ماكرون، وتبعية فرنسا منذ عهد ساركوزي وأولاند حتى عهد ماكرون للولايات المتحدة أدى إلى وفاة فرنسا كدولة عظمى، ولكن المقلق هو مستقبل فرنسا وماذا ستصبح فرنسا في المستقبل، وكيف ستتعافى فرنسا وخصوصا أنه لا يوجد سياسي واحد يستطيع إعطاء حل شامل وصريح ومقنع ويخدم المصلحة العامة، فهم يتصارعون على السلطة، ففرنسا مريضة وسياسيوها مريضون.
إعداد وتقديم: نزار بوش