كثيرون في زمننا المعاصر، ينظرون إلى العراق بأعين ملأها الحزن، ويتساءلون: كيف يمكن لهذا الوطن الكبير ذو المشارب المختلفة والأذواق المتباينة، والمذاهب المتعاكسة، والتيارات المتشاجرة أن يتوحد تحت راية واحدة؟ وكيف فعلها من كانوا يحكمون هذا البلد قبل الحرب؟
الحقيقة أن الجواب في غاية البساطة، كان العراقي صلباً لأنه غير جائع، ولا يحتاج إلى مساعدات إنسانية تلقى إليه داخل صندوق من السماء، أو أدوية تجلبها له المنظمات الإغاثية، فقد كان العراق متحققا ومكتفياً ذاتياً.
نعم، كان العراق بلداً قوياً، ربما لن يدرك مدى هذه القوة الجيل الجديد، الذي ترعرع منذ عقد ونصف العقد، لا يرى في العراق إلا طائرات تقصف، وقتلى يتساقطون، ومنظمات إغاثية تتحرك وتستغيث، وسياسيون يتقاتلون على مناصب، إذا تحققت لهم لن تكون أكثر من صورة شرفية، لأن الحل والربط بأيدي أناس أخرين.
قبل انتخاب جورج بوش الابن رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، قام ديك تشيني، ودونالد رامسفيلد وپول ولفويتس، بكتابة مذكرة تحت عنوان "إعادة بناء القدرات الدفاعية للولايات المتحدة" في سبتمبر/ أيلول 2000، أي قبل عام من أحداث سبتمبر 2001، وورد في هذه المذكرة أنه بالرغم من الخلافات مع نظام صدام حسين، والذي يستدعي تواجدا أمريكيا في منطقة الخليج العربي، إلا أن أهمية وأسباب التواجد الأمريكي في المنطقة تفوق سبب وجود صدام في السلطة.
وبالفعل حدث الغزو وسقط صدام حسين، ولكن الأمريكان عندما رحلوا عن العراق، تركوه ضعيفاً مهلهلاً، أو بمعنى أدق، حطموه ثم تركوه يبحث عن دواء لجراحه، وظلت يدا أمريكا تعبث في العراق سياسياً كلما أوشك أحدهم على جبر الكسر، فجلبوا الحكومة تلو الأخرى، فكلما حققت إحداها إنجازاً طردوها، وكلما صنعت حكومة لنفسها موقفاً حلوها.
ثم بذروا بذور الإرهاب في أرض العراق، بالتحريض على العنف الطائفي، وإثارة النزعات الطائفية والعرقية والدينية بمختلف أنواعها، لتكون النتيجة هي تمهيد التربة جيدا للإرهاب لكي يعشش هناك وينطلق إلى دول الجوار، وإلى العالم العربي، والعالم كله.
الأن، تواجه قوات الجيش والشرطة العراقية، بعدما أعاد العراقيون الشرفاء جمع المسرحين منهم، وضم عناصر جديدة إليه، بمواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي عسكرياً، بمساعدة — غير دائمة — من أمريكا، التي تلعب منفردة ولكنها متخفية داخل العراق في ثوب جديد، أطلقت عليه "التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب".
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)