معركة القضاء تبلغ أشدها في تونس

يبدو أن معركة القضاء بلغت أشدها في تونس التي شهدت اليوم مظاهرتان، الأولى تقودها هيئة الدفاع عن السياسييْن شكري بالعيد ومحمد البراهمي وتطالب بتطهير القضاء وحل المجلس الأعلى للقضاء، والثانية تحتج على "محاولات تلجيم مرفق العدالة".

وأمام المجلس الأعلى للقضاء الذي أكد أمس الرئيس التونسي قيس سعيد أنه سيراجع قانونه الأساسي، تجمع أعضاء هيئة الدفاع عن السياسيين شكري بالعيد ومحمد البراهمي اللذان تتهم حركة النهضة باغتيالهما، للمطالبة بتنقية المناخ القضائي ورفع قبضة السياسيين عنه وتطهيره من التعيينات الحزبية.

تونس.. هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي تحتج أمام مقر المجلس الأعلى للقضاء

© Sputnik . Mariam. Gadira

كما تطالب الهيئة بتفعيل المحاسبة في علاقة بملف الاغتيالات السياسية، خاصة بعد المعطيات الخطيرة التي كشفت عنها، يوم أمس خلال ندوة صحفية، بيّنت فيها تورط حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي وبعض القضاة في التستر على الضالعين في اغتيال المعارضين السياسيين.

"مجلس القضاء هو حكومة النهضة"

وصرّح عضو هيئة الدفاع عن السياسيين المعارضيين، كُثير بوعلاق، لـ "سبوتنيك" بأن وقوفهم اليوم أمام المجلس الأعلى للقضاء هو حركة احتجاجية رمزية ضد هذا المجلس الذي "قام بتعيين قضاة موالين لحركة النهضة ولجهازها السري، وآخرين تحكموا في مفاصل الدولة وشتتوا ملفات الاغتيالات"، وفقا لقوله.

واعتبر بوعلاق أن الحكومة الحقيقية لحركة النهضة هي المجلس الأعلى للقضاء الذي أصبح من عداد الماضي، قائلا: "التركيبة الحالية للمجلس أثبتت طيلة 5 سنوات متتالية أنها ليست في قيمة تضحيات الشعب وفي قيمة دماء الشهداء".

قضاة تونسيون يتظاهرون احتجاجا على حل المجلس الأعلى للقضاء

© Sputnik . Mariam. Gadira

وأكد بوعلاق أن التحركات الاحتجاجية لهيئة الدفاع ولأنصار شكري بالعيد والبراهمي ستتواصل، وستتحول غدا إلى مقر محكمة الاستئناف بتونس احتجاجا على وكيلها العام الذي رفض تعليمات وزيرة العدل في فتح بحث تحقيقي ضد راشد الغنوشي وجهازه السري.

حل المجلس الأعلى للقضاء

من جانبه، قال شقيق المعارض السياسي شكري بالعيد، عبد المجيد بالعيد، لـ "سبوتنيك"، إن مطلبهم الأساسي هو حل المجلس الأعلى للقضاء بتركيبته الحالية.

وتابع: "هذه التركيبة أثبتت هيئة الدفاع بالدليل أنها متورطة في خراب البلاد وفي التستر على المجرمين، ولذلك لم يعد هناك مبرر لبقائهم في هذا المجلس، ويتوجب اليوم محاكمتهم".

وتعليقا على ما ورد في الندوة الصحفية لحركة النهضة التي اتهمت هيئة الدفاع بالتسيس، قال بالعيد "مثلما اتهمت هيئة الدفاع النهضة بالأدلة، على النهضة أن ترد علينا بالأدلة".

واعتبر بالعيد أن رد حركة النهضة كان هزيلا جدا يؤكد ضعفها وارتباكها وتورطها في ملف الاغتيالات السياسية.

بدوره، أكد نائب رئيس مرصد تونسيون من أجل قضاء عادل، حسين المحمدي، في تصريح لـ "سبوتنيك"، أن حل المجلس الأعلى للقضاء أصبح ضرورة ملحة، معتبرا أن هذا المجلس هو مجلس حزبي.

قضاة تونسيون يتظاهرون احتجاجا على حل المجلس الأعلى للقضاء

© Sputnik . Mariam. Gadira

وأضاف: "هيئة القضاء العدلي تتكون من 15 قاض، سبعة منهم ينتمون لحركة النهضة، وخمسة آخرون لنداء تونس، وهم من يتولون إعداد كل الحركات القضائية وبالتالي تنصيب المواقع الحساسة مثل النيابات ووكالة الجمهورية والتحقيق، وهو ما مكنهم من التستر على أنواع شتى من الجرائم التي ارتكبت في حق التونسيين من الإرهاب إلى الاغتيال والتسفير والفساد".

القضاة ينتفضون

بالتوازي مع ذلك، يواصل القضاة إضرابهم لليوم الثاني على التوالي الذي تحول اليوم إلى وقفة احتجاجية أمام قصر العدالة بالعاصمة، في خطوة احتجاجية ضد إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد بأن المجلس الأعلى للقضاء أصبح من الماضي.

وكانت وزيرة العدل ليلى جفال قد أعلنت أمس في بلاغ نشرته الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية أن رئيس الدولة "متمسك بالمجلس الأعلى للقضاء"، وأنه حريص على "مراجعة القانون المنظم للمجلس بما يضمن حقوق القضاة ويساعدهم على ممارسة مهامهم على أحسن وجه، وبما يُمكّن المتقاضين من حقوقهم كاملة".

قضاة تونسيون يتظاهرون احتجاجا على حل المجلس الأعلى للقضاء

© Mariam. Gadira

وقالت الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين روضة القرافي، في حديثها لـ "سبوتنيك"، إن حديث وزيرة العدل عن عدم حل المجلس الأعلى للقضاء هو "مغالطة اتصالية كبرى ومدروسة للإيهام بأن المجلس لم يحل".

وأكدت أن مجلس القضاء تم حلّه بصفة رسمية، مستدلة على ذلك بإعلان رئيس الجمهورية أنه قام بتنصيب هيئة وقتية ستعوض المجلس الحالي وتتولى صلاحياته بما فيها تعيين القضاة ونقلهم وترقيتهم وتأديبهم.

وأضافت: "رئيس الجمهورية هو من سيتولى تسمية أعضاء هذه الهيئة، بمعنى أنها ستكون خاضعة للسلطة التنفيذية تماما.

واعتبر القرافي أن قرار حل المجلس الأعلى للقضاء هو قرار غير قانوني وغير دستوري، مؤكدة عدم وجود أي نص قانوني في تونس يخول لرئيس الجمهورية حل مجلس القضاء.

وأشارت القاضية إلى أن القضاء يعود إلى عهود سبقت تابعا للسلطة السياسية عبر الهيئة التي سيقوم رئيس الجمهورية بتركيزها لتطويع القضاء.

تصعيد مرتقب

وأكدت روضة القرافي أن القضاة سيتصدون لمحاولات تركيع المرفق القضائي ودفاعا عن استقلاليتهم ورفضا لما وصفته بحملات الشيطنة والتوجيه والمس من مصداقية القضاة.

وقالت إن المجلس الأعلى للقضاء رفض منذ البداية المساس بقانونه الأساسي وبوضعه الدستوري، مشيرة إلى أن المجلس لن يتراجع عن موقفه وأن القضاة سيواصلون تمسكهم بالقانون.

وأضافت أن جمعية القضاة التونسيين ستعقد اجتماعا عاما يوم السبت القادم للنظر في الخطوات التصعيدية المقبلة مع عموم القضاة التونسية.

وعلق القاضي أنس الحمايدي لـ "سبوتنيك"، بالقول إن القضاة سيواصلون الدفاع عن القضاء المستقل وعن المجلس الأعلى للقضاء بوصفه "مكسبا ديمقراطيا ومفخرة القضاة التي ناضل من أجلها التونسيون طويلا".

وطالب الحمايدي رئيس الجمهورية بالتراجع عن قراره بحل المجلس الأعلى للقضاء وبإصدار مرسوم منظم له، مشيرا إلى أن ذلك سيدفع القضاة إلى المضي قدما في تحركاتهم دفاعا عن مؤسسات السلطة القضائية.

كما دعا الحمايدي رئيس الجمهورية إلى فتح باب الحوار مع القضاة والنقاش جديا حول أسباب عدم إصلاح هذا المرفق، معتبرا أن مسؤولية الوضع الذي بلغه القضاء اليوم تتقاسمها السلطتان التنفيذية والتشريعية التي عطلت مشاريع إصلاح السلطة القضائية.