باحث سوري: "أوكرانيا" لحظة مفصلية في تاريخ البشر.. مفاعل نووي يحل المشكلة

كشف باحث اقتصادي سوري أن "الدول الغربية فرضت على روسيا أكثر من 5500 عقوبة منذ بداية الأزمة في أوكرانيا"، مضيفاً أنه "لم يسبق أن فُرضت مثل هذه العقوبات على دولة في العالم".

واعتبر الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، الدكتور شفيق عربش، في حديث خاص لـ"سبوتنيك"، أن "الأزمة الأوكرانية هي لحظة مفصلية في تاريخ البشرية، تؤسس لعالم جديد تنتهي معه القطبية الأحادية التي هيمنت على العالم، واعتبرت نفسها تمثل الشرعية الدولية على مدى ثلاثة عقود ونيف، بعد تفكك الاتحاد السوفيتي سابقاً، وسيكون لها تداعيات جوهرية على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في العالم".

5500 عقوبة غربية على روسيا

وأضاف د.عربش: "إن العقوبات الأحادية التي فُرضت على الدولة الروسية بهذا الزخم، وبهذا الحجم، لم يسبق أن فُرضت على دولة في العالم، فهناك أكثر من 5500 عقوبة فُرضت عليها خلال الأيام القليلة الماضية من الأزمة الحالية في أوكرانيا، ووصلت شدتها إلى حد بلطجة (تجميد) ثروات الشعب الروسي الفردية والحكومية المستثمرة في الدول الغربية، أي أن هناك سرقة موصوفة لهذه الثروات الروسية".

وأردف قائلاً: "من هنا جاء توجيه الرئيس فلاديمير بوتين بالتوجه نحو الأسواق الناشئة وأسواق الدول الحليفة والصديقة، والحقيقة إذا أخذنا بعين الاعتبار تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار إدانة روسيا، ورغم كل الضغوط الأمريكية التي مورست على جميع الدول تقريباً، فهناك أكثر من /30/ دولة وقفت ضد هذا القرار سواء بالتصويت ضد أو بالامتناع عن التصويت، وهذا يؤشر من الناحية السياسية أن الهيمنة الأمريكية التي كانت تعتقد إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أنها تملكها على العالم قد أخذت بالتزعزع".

"إمبراطورية الكذب والسرقة".. قد تعيش في ظلام دامس

وفي تعليقه على خيار روسيا بعد العقوبات الغربية بالتوجه نحو الأسواق الناشئة، قال د.عربش: "هذا توجه مهم بعد أن تبين لنا أن المصداقية الغربية في الحضيض، وهي كما أسماها الرئيس بوتين إمبراطورية الكذب، وأكثر من ذلك هي إمبراطورية السرقة، فلقد جمدوا الأموال الروسية والأموال الإيرانية والذهب الفنزويلي الموجود في بريطانيا، وجمدوا الأموال السورية أثناء الحرب الكونية عليها في كل الدول الغربية، وهذا هو سلاح العقوبات الذي يسيرون به، وروسيا أثبتت في أزمة أوكرانيا أنها دولة ذات مصداقية عالية؛ فقد استمرت بتنفيذ العقوبة التي ارتبطت بها مع دول أوروبا الغربية، بالرغم من أنها قادرة على تحويل أوروبا الغربية كلها إلى دول تعيش في ظلام دامس، وتتوقف صناعتها وتتجمد من البرد، وكان يكفي أن توقف روسيا تصدير الغاز والنفط، أو أن تقلل قليلاً من ذلك حتى تعيش هذه الدول في أزمة، وهنا أحب أن أؤكد أن الغاز الروسي لا زال يصدر إلى دول أوروبا الغربية عن طريق الأنبوب المار في الأراضي الأوكرانية رغم موقف دول الغرب من روسيا".

روسيا.. من "سويفت" إلى "إس بي إف إس"

وتابع قائلاً: "الخروج من عباءة التعامل بالدولار هو أمر مهم، ويجب أن يكون إخراج روسيا من نظام سويفت حافزاً لها لتعميق الاتفاق مع الدول الصديقة والحليفة لإيجاد بديل عن هذا النظام، فهناك حوالي 20% من التعاملات التي تمر بنظام "إس بي إف إس" أتمنى أن يتم توسيع هذا التعامل وتصبح معظم التجارة بين دول البريكس وغيرها من الدول الصديقة والحليفة لروسيا عبر هذا النظام".

"إسرائيل" أكثر الأطراف تملقاً ولعباً على الحبال

وتابع: "أعتقد أن هناك مجموعة من الدول التي وإن كان بعضها لم يعلن صداقة ودعماً للموقف الروسي في الأزمة الأوكرانية لكن ضمناً يمكن اعتبارها من أصدقاء روسيا وبعضها من حلفاء روسيا، وهناك بعض الدول التي تمارس سياسة القفز على الحبال لأسباب اقتصادية، ونفهم ذلك، لكن يجب أن نعرف أن لمثل هذه الدول مصالحها التي تسعى وراء تحقيقها، لكن نحن كسوريين بالنسبة إلينا لا زلنا ننظر إلى الكيان (إسرائيل) على أنه عدو، وهو أكثر الأطراف تملقاً ولعباً على الحبال للاستفادة إلى حد كبير من الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، وإن كنتُ أعتقد أن له دور غير مباشر في افتعال هذه الأزمة".

الولايات المتحدة تلهث وراء فنزويلا وإيران

وحول الفرص الاستثمارية المتوافرة في سوريا والتي يمكن للجانب الروسي الاستفادة منها في التوجه نحو الدول الحليفة والصديقة قال د. عربش: "هناك فرصة كبيرة لروسيا والدول الصديقة لها للاستفادة من الحالة الاقتصادية التي نتجت عن الأزمة الأوكرانية لتوسيع الاستثمارات الروسية في دول كثيرة، كفيتنام والهند وكذلك في سوريا، فنحن نرتبط بمعاهدات طويلة الأمد مع روسيا، ويمكن الاستفادة من هذه المعاهدات، ومنها توسيع ميناء طرطوس على سبيل المثال، وتحويله إلى ميناء إقليمي، وهذا يسهم بربط سوريا بمشروع الحزام والطريق الصيني بشكل أكبر، ويمكن لرجال الأعمال الروس والشركات العامة الروسية أن تبدأ بإنشاء معامل للصناعات الغذائية في سوريا، حبث تعتمد على المنتجات المحلية، وأن تسهم بتطوير الزراعة وإنشاء مشاريع الطاقة، وكذلك المشروع الحيوي المتمثل بالتنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط، فهناك مسوحات أجريت بالتعاون مع الجانب الروسي، وتبين أن هناك احتياطيات واعدة، سيما وأن الولايات المتحدة تلهث الآن وتستعطف دول كانت قد فَرضت عليها عقوبات عبر التاريخ، وأقصد بذلك فنزيلا وإيران وتتوسل لهم لزيادة إمدادات النفط في السوق حتى يتمكن الأوربيون من استبدال جزء كبير من النفط المستورد من روسيا بهدف حصار روسيا اقتصادياً".

قطر "تشتري الوهم"

واستطرد عربش: "ناهيك عن أن أمير قطر زار الولايات المتحدة في نهاية شهر كانون الثاني/يناير الماضي حيث باعه الرئيس الأمريكي جو بايدن الوهم بأن قطر دولة حليفة من خارج منظومة الناتو، وطلب منه تحويل جزء من الغاز المسال المرتبطة بعقوده قطر مع دول جنوب شرق آسيا إلى أوروبا حتى يزعج روسيا اقتصادياً، من خلال تقليل اعتماد الدول الأوروبية الغربية على الغاز الروسي الذي يمثل شريان حياتها الاقتصادية والبشرية".

روسيا تنقل رواد الفضاء الأمريكيين والأوربيين

وأضاف د. عربش: "هناك مجموعة من المصانع والشركات التابعة لوزارة الصناعة السورية والمعروضة للاستثمار، يمكن الاستفادة من تطور الصناعات المختلفة في روسيا في إعادة تأهيل الكثير من شركات القطاع العام، والشراكة في هذا المجال ممكنة جداً لإعادة إطلاق العملية الإنتاجية بالشكل الأنسب في سوريا، سواء في الصناعات النسيجية أو الصناعات الكيميائية أو الهندسية، فروسيا دول صناعية كبرى، ونحن نعرف تماماً أن لديها صناعات كبرى، فإذا أوقفت تصدير منتجاتها إلى أوروبا الغربية؛ فإنها إن لم توقف عجلة الاقتصاد الأوروبي في بعض القطاعات فإنها ستبطئه تماماً، وفي هذا السياق اتخذت روسيا قراراً بوقف تصدير محركات الصواريخ إلى الولايات المتحدة، فروسيا هي التي تنقل ومنذ فترة طويلة رواد الفضاء الأمريكيين والأوربيين إلى محطة الفضاء الدولية".

مفاعل نووي في سوريا يحل المشكلة

وأشار د. عربش إلى أنه "من المهم أن يكون هناك مفاعل نووي سلمي تبنيه روسيا في سوريا لتوليد الطاقة، وخاصة بعد مضي 11 سنة من الحرب الظالمة وقيام المجاميع الإرهابية خلالها بتدمير البنية التحتية الصناعية وتفكيك وسرقة المعامل وتدمير محطات توليد الطاقة الكهربائية والأبراج الكهربائية، وسرقة سكك الحديد وغير ذلك، فإعادة إطلاق العملية الإنتاجية في سوريا تحتاج في البداية إلى حل مشكلة الطاقة الكهربائية، ولدينا في سوريا هيئة الطاقة الذرية وفيها عدد كبير من الكوادر والخبراء المؤهلين تأهيلاً علمياً عالياً في عدة دول أوربية بما فيها دول الاتحاد السوفياتي سابقاً وروسيا حالياً، ويمكن لهذه الكوادر أن تسهم بشكل كبير في هذا المشروع، لكن بناء المفاعل بحاجة إلى خبرات روسية أكثر من الخبرات السورية حالياً، لكن يُشغل بالتعاون ما بين الخبرات السورية والروسية، وهنا نتحدث باتجاهين اتجاه التعاون مع روسيا كدولة واتجاه التعاون مع رجال الأعمال الروس، فمجال التعاون معهم واسع شريطة أن تكون البيئة الاستثمارية في سوريا قد أصبحت أكثر رشاقة، أي أن نؤمن البيئة الاستثمارية المناسبة بما يشجع رجال الأعمال الروس على الاستثمار في جميع المشاريع التي تحتاجها في سوريا، فبعد أكثر من 11 عام من الحرب هناك فرص استثمارية في جميع المجالات، إذ يمكن إطلاق الزراعة البيولوجية ومن ثم إنشاء معامل صناعات غذائية تعتمد على المنتجات البيولوجية المغلفة بطريقة حضارية كما في الأسواق العالمية، مما يفتح مجالات استثمار وتشغيل وتصدير كبيرة جداً".