المعارضة التونسية تتمسك ببقاء البرلمان وتطالب بحكومة إنقاذ وطني

تعقدت الأزمة السياسية في تونس أكثر من السابق، في ظل إقدام رئيس الجمهورية ‏على حل البرلمان من ناحية وتمسك المعارضة ببقاء هذه المؤسسة من ناحية أخرى، ‏والذهاب إلى فرضيات أخرى ومنها تشكيل حكومة إنقاذ‎.‎

فبعد نحو ثلاثة أسابيع من قرار حل البرلمان الذي اتخذه الرئيس التونسي، قيس سعيد، في 30 مارس/ آذار المنقضي، كثّفت المعارضة جهودها من أجل تجميع شتاتها في مبادرة مشتركة ترمي إلى الذهاب إلى حوار وطني يستثني الرئيس وتشكيل حكومة جديدة تخرج البلاد من أزمتها المتشعبة.

جبهة خلاص تفرز حكومة وحوارا وطنيا

وفي تصريح خاص لـ"سبوتنيك"، قال المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة، رياض الشعيبي، إن "البرلمان مصر على التمسك بشرعيته ومواصلة أشغاله رغم قرار رئيس الجمهورية الذي لا يمنحه الدستور إمكانية حل البرلمان"، وفقا لقوله.

وأضاف: "الأزمة السياسية اليوم ليست في البرلمان وإنما في طريقة إدارة رئيس الجمهورية للبلاد ورفضه الاستجابة لمطالب الحوار الوطني والبحث عن حلول تشاركية وإمعانه في سياسة الانفراد بالسلطة والتنكيل بمعارضيه وبكل صوت معارض له".

ولفت الشعيبي إلى أن "فرضية عقد جلسة برلمانية لسحب الثقة من رئيس الجمهورية ستكون رهينة توفر إرادة لدى النواب"، مشيرا إلى أن "عقد جلسة عامة ثانية لن يتأخر كثيرا".

وأكد الشعيبي "توجّه المعارضة لدعم مبادرة جبهة الخلاص الوطني التي أطلقها رئيس حزب الأمل أحمد نجيب الشابي"، قائلا إن "حركة النهضة ستتفاعل إيجابيا مع هذه المبادرة".

وأوضح الشعيبي أن النقاط الأساسية لهذه الجبهة تتمثل في "المطالبة بضرورة التسريع في تشكيل حكومة إنقاذ وفقا للصيغ الدستورية والقانونية، تكون أولويتها اتخاذ اجراءات اقتصادية عاجلة لإخراج البلاد من أزمتها، ثم الذهاب لانتخابات تشريعية مبكرة يسبقها حوار سياسي يقع فيه الاتفاق على مجمل القضايا العالقة فيما يتصل بالملف السياسي".

وتابع: "كنا نتمنى أن يكون رئيس الجمهورية هو الجهة التي تطلق هذا الحوار وتشرف عليه، ولكنه لم يخطو خطوة واحدة تدفعنا للاستغناء عن هذا المطلب.

وردا على الانتقادات التي وجهت للمعارضة بالذهاب بالبلاد إلى السيناريو الليبي وتقسيم الشرعيات، شدد الشعيبي على أن "هذا السيناريو بعيد عن الواقع في ظل توفر الإحساس بالمسؤولية لدى مختلف الفاعلين السياسيين في البلاد وإيمانهم بأهمية المحافظة على السلم الأهلي وعلى الدولة التونسية موحدة"، قائلا: "نحن لسنا في سياق السيناريو الليبي وإنما في سياق أزمة دستورية وسياسية لا يمكن أن تحل إلا بشكل تشاركي وفي إطار حوار وطني شامل وجامع".

مدخل للاحتراب الداخلي

وفي تعليق لـ"سبوتنيك"، اعتبر عضو المكتب السياسي لحركة الشعب، أسامة عويدات، أن "المعارضة بقيادة حركة النهضة تسعى إلى استعادة موقعها في المشهد السياسي والتموقع مجددا في الحكم".

ونبّه عويدات من أن "تشكيل حكومة موازية سيقحم البلاد في الاحتراب الداخلي وسيؤدي إلى تقسيم الدولة والشعب، قائلا "هؤلاء مستعدون لتقسيم الدولة والتخابر مع الأجنبي وخلق الفتنة بين الشعب التونسي من أجل الموقع والتموقع". وشدد عويدات على أن "حركة الشعب ترفض هذا التمشي وأنها لن تدخر جهدا في التصدي لكل محاولات تخريب الدولة وتقسيمها".

ويرى محدثنا أن "الخروج بالبلاد من الأزمة المتشعبة لا يكمن في تشكيل حكومة جديدة أو تغيير الأشخاص وإنما في إعادة ترتيب الأولويات"، معتبرا أن "مسار 25 يوليو جاء من أجل مطلبية اجتماعية واقتصادية بالأساس لم تتحقق إلى حد الآن"، وفقا لقوله.

وأضاف القيادي في حركة الشعب أن "حكومة نجلاء بودن مطالبة بإعادة ترتيب أولوياتها وبتحمل مسؤوليتها في تخفيف وطأة غلاء الأسعار وتحسين الوضع الاجتماعي المتردي للتونسيين"، قائلا: "صحيح نحن متشبثون بمسار 25 يوليو ولكننا ننتقده من الداخل".

تعبئة جماهيرية ضد الرئيس

وفي تصريح لـ"سبوتنيك"، قال المحلل السياسي، محمد صالح العبيدي، إن "السيناريوهات التي تطرحها المعارضة سواء بالذهاب إلى برلمان في المهجر أو عقد حوار وطني بين جميع الفرقاء السياسيين يستثني رئيس الجمهورية، هي "خطوات من أجل التعبئة الجماهيرية ضد الرئيس ولا يمكن أن يكون لها مدلولات فعلية على مستوى الواقع أو أن تترجم فعليا".

ولفت العبيدي إلى أن الشرعيات مرتبطة بمؤسسات الدولة، موضحا: "المؤسستان العسكرية والأمنية هي المؤسسات الحيوية التي تعطي لقيس سعيد شرعية الحكم، وبالتالي فإن الحديث عن حكومة موازية أو برلمان موازي هو فقط من أجل التعبئة السياسية ومن أجل أيضا بث رسائل إلى الخارج مفادها أن تونس تعاني من فراغ مؤسساتي، وهو ما يحرج رئيس الجمهورية".

ويرى العبيدي أن "المعارضة تعلم تمام العلم أنه لا يمكن الذهاب إلى حكومة أو برلمان موازي لأن الاعتراف بشرعية قيس سعيد مسألة منتهية رغم بعض التململ والانتقادات الغربية تجاه ممارساته واحتكاره لكل السلطات"، معتبرا أن ما تقوم به المعارضة "مجرد فرقعات إعلامية وسياسية لا يمكن أن تذهب بعيدا ولا يمكن أن تتجاوز مستوى الاستهلاك السياسي".

ولفت العبيدي إلى أن "المشروع السياسي لرئيس الجمهورية واضح وهو ضرب كل الأجسام الوسيطة وكل التيارات السياسية والحزبية".

وتابع: " بالمعاينة المجردة افتك رئيس الجمهورية كل السلطات وأقصى كل التنظيمات السياسية والحزبية من المشهد. وبالتالي لا يمكن الحديث اليوم عن توسيع دائرة المحاورات".

واعتبر العبيدي أن "ما يقوم به رئيس الدولة من لقاءات سواء مع الاتحاد العام التونسي للشغل أو بعض المنظمات القطاعية كاتحاد الفلاحين واتحاد الصناعة والتجارة "ليست من باب الحوار الوطني وإنما فقط من باب اللقاءات البروتوكولية، وهذا ما عبر عنه اتحاد الشغل".

وشدد على أن مشروع الرئيس يقوم على ضرب الأجسام الوسيطة أحزابا ومنظمات، وهو ما أعلنه منذ بداية السنة من خلال إجراء استفتاء شعبي ثم الذهاب إلى انتخابات قد تكون على الأفراد و"هذا في حد ذاته إقصاء لكل الأحزاب السياسية".

وأشار العبيدي إلى أن "الحديث عن توسيع دائرة الحوار هو من باب أضغاث الأحلام التي لا وجود لها ولن يكون لها وجود لا في ذهنية الرئيس ولا في سياساته".