لم تطالب بوقف الحرب.. قرارات محكمة العدل إنجاز مهم أم إجراءات تقليدية؟

بين العشم الفلسطيني والإجراءات الصادرة، جاءت قرارات محكمة العدل الدولية بشأن دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في تهمة ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية.

وعلى الرغم من عدم إصدار المحكمة قرارا بوقف الحرب على قطاع غزة، وصف مراقبون أن الإجراءات مهمة وتصب في صالح القضية، وتعد انتصارًا مهمًا لدعوى جنوب أفريقيا.

وطرح البعض تساؤلات بشأن أهمية القرارات الصادرة عن المحكمة ومدى إلزاميتها لإسرائيل، خاصة في ظل ردود الفعل الغاضبة لحكومة بنيامين نتنياهو بسبب هذه الخطوة.

قرار ضعيف

اعتبر الدكتور أسامة شعث، أستاذ العلوم السياسية والمستشار الفلسطيني في العلاقات الدولية، أن قرار محكمة العدل الدولية ضعيف، وخلا من إصدار أي أمر أو طلب مباشر لإسرائيل بوقف عاجل لإطلاق النار.

وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك"، طالما لم يتضمن قرار محكمة العدل دفع إسرائيل بشكل مباشر لوقف إطلاق النار، وووقف قتل الفلسطينيين، فهو يعطي فرصة لإسرائيل لاستمرار الحرب.

وأكد أن قرار المحكمة يدعو لتخفيف الإجراءات العسكرية الإسرائيلية بحق المدنيين في قطاع غزة، وكأنه لا يعارض استمرار الحرب وإنما يهدف إلى التخفيف من حدتها.

نقاط مهمة

من جانبه، قال الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني، إنه بين العشم والنتائج، جاء حكم محكمة العدل الدولية بشأن جريمة الإبادة الجماعية ضد إسرائيل، لكنها لم تتضمن نداءات عاجلة لوقف الحرب على قطاع غزة، في ظل العدوان المستمر من قبل جيش وضد شعب أعزل.

وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك"، كانت الآمال الفلسطينية معلقة على المحكمة لوقف الحرب في غزة، لكن لا يمكن إنكار أن ما جاء في الدعوى مهم جدًا، ويحمل العديد من القضايا الإيجابية التي يمكن النظر لها بعين الاعتبار.

وبين أن أهم هذه القضايا هو قبول الدعوى واعتبار المحكمة نفسها مختصة بالنظر لها، ما يعني الحديث عن حرب الإبادة الجماعية التي تقودها إسرائيل ضد قطاع غزة، وأن النظر فيها يقع ضمن صلاحيات المحكمة للبت، وهو الأمر الذي أزعج إسرائيل، وردات فعل نتنياهو وبن غفير وقادة إسرائيل أكبر دليل على ذلك.

وبحسب الرقب، هناك نقطة مهمة أخرى في قرارات المحكمة، تتمثل في تصويت 15 قاضيًا على هذه الإجراءات، من ضمنهم قاضي مؤقت إسرائيلي، لا سيما ضد التصريحات التي وصفت الفلسطينيين بـ"الحيوانات الواجب قتلها"، معتبرًا أن هذه الخطوة لها العديد من الدلالات المهمة، ويؤكد قوة الأدلة التي قدمتها جنوب أفريقيا.

وأكد أن القرار تضمن كذلك مسألة إدخال المساعدات الغذائية للشعب الفلسطيني، ووقف أعمال القتل، وهي خطوة مهمة ويمكن البناء عليها في المستقبل، مشيرًا إلى أن مجرد إبقاء القضية مفتوحة تستقبل المرافعات فهي خطوة مهمة وجيدة وتصب في صالح القضية الفلسطينية.

ويرى الرقب ضرورة متابعة جلسة مجلس الأمن المقبلة التي طلبتها الجزائر، للنظر في قرار محكمة العدل، والتي يمكنها اتخاذ إجراء بوقف الحرب في قطاع غزة، إن لم يتم مواجته بفيتو أمريكي كما حدث في المرات السابقة.

انتصار مهم

في السياق ذاته، قال وزير العدل الفلسطيني الدكتور محمد الشلالدة، إن "الدعوى القضائية المقدمة من دولة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل باتهامها بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية، هي معركة قضائية عالمية ضد الظلم والاحتلال والاستيطان والاستعمار".

وأضاف في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "الدعوى ستظل رمزا لانتصار مبادئ وقواعد القانون والأخلاق الدوليين، والضمير الإنساني والتي تسود على أحكام القوة".

وأكد أن "نجاح المرافعة باتخاذ التدابير المؤقتة هي انكشاف لدولة الفصل العنصري "الأبارتهايد"، وصفعة قانونية للفكر الصهيوني، وهذه الدعوى ترسيخ لقيادة القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة".

واعتبر أن "التدابير المؤقتة التي اتخذت من قبل محكمة العدل الدولية الغرض منها حفظ حقوق الأطراف، وعدم اتخاذ ما من شأنه أن يفاقم النزاع أو يتسبب في وقوع ضرر لا يمكن إصلاحه، أو لا يمكن لأي شكل من أشكال الجبر تداركه، حتى يصدر الحكم النهائي، وهذه التدابير المؤقتة تعني الحيلولة ومنع الاستمرار في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني".

وأردف قائلا: "الشق الثاني والأهم في هذه الدعوى المرفوعة هي أنها تأخذ فترة لإثبات ركني الجريمة المادي والمعنوي لجريمة الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية، وسيصدر حكما قضائيا بتحميل إسرائيل المسؤولية القانونية عن ارتكابها جريمة الإبادة الجماعية، وسيتم إلزامها بجبر الضرر والتعويض على كافة الأضرار التي لحقت بالشعب الفلسطيني جراء الجريمة".

وفيما يتعلق بعدم تضمين الحكم وقفا فوريا للحرب في غزة، قال الشلالدة: "اتُخذت العديد من المطالب لدى دولة جنوب أفريقيا، ولكن كان على رأس هذه الطلبات تعليق العمليات العسكرية على الفور، لكن للأسف الشديد لم يتم اتخاذ الطلب، ولم يتم مناقشته من قبل قضاة المحكمة، لكن على أرض الواقع نعتبر أن كافة التدابير المؤقتة التي اتخذت من قبل المحكمة، هو نجاح لهذه القضية، ونشكر دولة جنوب أفريقيا وقضاة المحكمة عن النزاهة والشفافية في اتخاذ هذه التدابير التي مستقبلا ستصل لحكم قضائي عادل للشعب الفلسطيني".

ويرى أنه "بناء على مثول إسرائيل أمام المحكمة وهي طرف مصادق على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، وهي طرف كذلك في النظام الأساسي لمحكمة العدل، فإنها ملزمة بتنفيذ كل ما يترتب من آثار تتخذها المحكمة من تدابير مؤقتة أو أحكام قضائية".

وأشار وزير العدل الفلسطيني إلى أن "التدابير تتمتع بقيمة قانونية بمستوى الحكم القضائي الذي سيصدر، وإسرائيل ملزمة بتطبيق واحترام هذه التدابير، ووفقا للقانون الدولي، إذا أخلّت أو لم تلتزم إسرائيل بتنفيذ أي بند من هذه البنود، من حق دولة جنوب أفريقيا أن تلجأ إلى مجلس الأمن، الذي يتخذ بدوره القرارات حسب الضرورة، سواء توصيات أو أمر القصر بالقوة الجبرية لدفع إسرائيل لتنفيذ القرار".

وأوضح الشلالدة أن "هذه القضية ستسهل مهمة الضحايا الفلسطينيين بملاحقة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية، باعتبار أن محكمة العدل هي محكمة دول وذات طابع مدني تحمل مسؤولية مدنية، بينما المحكمة الجنائية الدولية للأفراد وسيتم ملاحقة مجرمي ومقترفي هذه الجرائم، سواء الإبادة الجماعية أو جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب أمام القضاء الجنائي الدولي، أو أي محاكم أخرى مماثلة في أفريقيا وأوروبا، باعتبار أن هذه الجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم".

وأمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل باتخاذ تدابير منع وقوع أعمال "إبادة جماعية" بحق الفلسطينيين، وتحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة، لكن القرار لم يتضمن نص "وقف إطلاق النار".

جاء ذلك خلال جلسة عقدتها المحكمة، أمس الجمعة، للبت بطلب جنوب أفريقيا اتخاذ تدابير احترازية في دعوى "الإبادة الجماعية" المرفوعة ضد إسرائيل.

وذكرت محكمة العدل الدولية: "نحن على علم بالمأساة في غزة وقلقون للغاية بشأن خسائر الأرواح هناك، ونؤكد ولايتنا القضائية للبت في دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل".

وأضافت: "لجنوب أفريقيا الحق في رفع الدعوى ولا يمكن قبول طلب إسرائيل بردها، لدينا صلاحية للحكم بإجراءات طارئة في قضية الإبادة الجماعية المرفوعة ضد إسرائيل".

وشددت المحكمة على أن "إسرائيل عليها اتخاذ إجراءات من أجل منع ومعاقبة ووقف ارتكاب الإبادة الجماعية ضد المجموعات الفلسطينية".

وتابعت: "أخذت المحكمة بالاعتبار عددًا من التصريحات لمسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى بشأن رفع صفة الإنسانية عن الفلسطينيين".

وأردفت بالقول: "إسرائيل عليها اتخاذ إجراءات فورية لتوفير الخدمات الأساسية المطلوبة في حالة الحرب للفلسطينيين، الذين يعانون من ظروف صعبة، واتخاذ تدابير لمنع تدمير الأدلة حول ارتكاب إبادة جماعية".

وقدّمت جنوب أفريقيا، في 11 كانون الثاني/ يناير الجاري، دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، بارتكاب "أعمال إبادة جماعية" في قطاع غزة؛ وشددت على أن الهجوم الذي شنته حركة حماس، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، لا يمكن أن يبرر ما ترتكبه إسرائيل في قطاع غزة.

وطالبت جنوب أفريقيا بالتعليق الفوري للعمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، مع ضمان حصول سكان القطاع على الغذاء والماء والمساعدات الإنسانية.

كما دعت جنوب أفريقيا المحكمة إلى إلزام إسرائيل بالامتناع عن أي أعمال يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الوضع وعرقلة عمل المحاكمة.

ولا تزال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة مستمرة، منذ السابع من أكتوبر 2023، وأسفرت عن سقوط أكثر من 26 ألف قتيل وأكثر من 64 ألف جريح فلسطيني، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وذلك ممن وصلوا إلى المستشفيات، فيما لا يزال أكثر من 7 آلاف مفقود تحت الأنقاض الناتجة عن القصف المتواصل في أنحاء القطاع.