القاهرة ـ سبوتنيك ـ أشرف كمال
وفي المقابل، على ضفاف الأطلنطي، يبدو المشهد مغايرا، في عيون مراقبين مصريين، ويعكس قلقا أميركيا مكتوما تخفيه واشنطن حيال تقارب حليف يوشك على الخروج من الفضاء الحيوي الاستراتيجي للولايات المتحدة، على حد تعبيرهم.
فقد اختتم الزعيمان المصري والروسي المباحثات الرسمية، بإعلان الاتفاق على إنشاء محطة طاقة نووية في منطقة الضبعة شمالي غرب البلاد، كما تم الاتفاق على تعزيز التعاون المشترك، وجذب الاستثمارات، وتوقيع اتفاقات وبرتوكولات تعاون في هذا المجال.
وتطرقت المباحثات إلى الأوضاع الإقليمية والدولية، في ضوء توافق الرؤى حول عدد من القضايا، خاصة بشأن مكافحة الإرهاب، والأزمة السورية، والتسوية الشرق أوسطية.
كان الرئيس المصري قد أكد خلال المؤتمر الصحفي المشترك، أنه تم البدء في إقامة المنطقة الصناعية الروسية في شمال عتاقة على محور قناة السويس، كما اتفق الجانبان على تعزيز حركة التبادل التجاري بين البلدين وإقامة منطقة حرة بالتعاون مع الاتحاد الأوروآسيوي.
نتائج إيجابية:
ويرى مساعد وزير الخارجية المصري السابق، السفير رؤوف سعد، في تصريحات خاصة لوكالة سبوتنيك" الروسية، أن نتائج الزيارة في مجملها إيجابية، مشيرا إلى أن المباحثات تناولت بشكل مستفيض سبل تنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية، خاصة أن الميزان التجاري يميل إلى الصادرات الروسية على حساب الصادرات المصرية، موضحا أنه يجري بحث فني دقيق حول اتفاقية للتجارة الحرة بين مصر والاتحاد الأوروآسيوي، ما يسمح بفتح أسواق جديدة أمام المنتج المصري، شريطة الالتزام بمقاييس الجودة المطلوبة.
وأضاف أن أهم النتائج التي توصلت إليها مباحثات البلدين، هو فتح الباب أمام إمكانية التعاون في مجال الطاقة النووية للاستخدامات السلمية، مؤكدا أن ذلك يمثل خطوة إيجابية في هذا المجال بعد مذكرة التفاهم التي تم توقيعها بين البلدين عام 2009.
وأشار إلى أن الاتفاق على إقامة منطقة صناعية روسية في إطار مشروع قناة السويس، يمثل دعما مهما للمنطقة الجديدة التي تعتمد في الأساس على الاستثمارات الأجنبية في منطقة متوقع لها أن تكون مركزا إقليميا ودوليا لحركة التجارة والاستثمارات.
وأوضح أن ما يميز الاتفاق على إقامة المنطقة الصناعية، ما يحمله من دلالة سياسية، فهو أول استثمارات يتم الاتفاق عليها قبل تنفيذ المشروع، لافتا إلى أن موسكو خلال زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي أعلنت مشاركتها في مشروع قناة السويس الجديدة حتى قبل أن يبدأ، الأمر الذي يشير إلى دلالة سياسية في اتجاه دعم التعاون بين البلدين، وأن هناك مصالح مشتركة للطرفين.
التعاون العسكري:
وفيما يتعلق بالتعاون العسكري، أكد الدبلوماسي المصري، أن التعاون في هذا المجال لم ينقطع، وأن حديث الرئيس السيسي خلال المؤتمر الصحفي عن التعاون العسكري يحمل رسالة مهمة مفادها "لا نخفي شيئا وندير سياستنا الخارجية وفق ما يحقق مصالحنا، وأن تقوية علاقتنا مع طرف لا تعني أنها تأتي على حساب طرف آخر، وأن مصالحنا تقتضي توسيع قاعدة المصالح."
الإرهاب والأزمة السورية:
وفيما يتعلق بالقضايا الإقليمية، أوضح سفير مصر الأسبق لدى روسيا، أن الاتفاق على استمرار التعاون في مكافحة الإرهاب مسألة مهمة، مضيفا أن روسيا تدرك تماما خطر الإسلام السياسي، وهي تعاني هذا وتعلم أن هناك خطراً كامناً، لافتا إلى أن روسيا سبقت مصر بـ11 عاما في تصنيف "جماعة الإخوان" تنظيما إرهابيا، وأن هناك اتفاقاً على أن شراسة ونوعية والتركيبة البشرية والعقائدية والتمويل والتسليح للمنظمات الإرهابية الموجودة، يتطلب التعاون الثنائي والإقليمي والدولي بشكل أكثر توثيقا.
وفيما يتعلق بالأزمة السورية، أوضح ان المباحثات تشير إلى خطين رئيسيين؛ أولهما، من خلال التأكيد على أنه لا بديل عن التسوية السياسية. وثانيهما، بالعمل على توحيد وتنقية صفوف المعارضة، لتصبح معارضة حقيقية، من خلال تجنيب الإرهابيين والمرتزقة.
وأوضح أن روسيا من خلال هذه الانطلاقة تعود إلى المساهمة في إعادة الاستقرار في المنطقة التي تواجه موجات غير مسبوقة من الإرهاب، دول تتهاوى ودول تفشل في حرب أهلية هنا وهناك، وصعود وهبوط في الأدوار، وأن قوة الدفع السياسية للعلاقات بين القاهرة وموسكو تسهم بشكل كبير في إعادة الاستقرار لشعوب المنطقة.
متابعة الإعلام المصري لنتائج الزيارة:
اهتم الإعلام المصري بنتائج المباحثات، ووصفت بعض الصحف الزيارة بـ"التاريخية" والاستفادة من التجربة الروسية، وتوابع زلزال الزيارة التاريخية، والتحذير من الولايات المتحدة.
فقد ذكرت صحيفة "الوطن" المصرية المستقلة، أن وفدا من رجال الأعمال الروس برئاسة وزير الصناعة الروسي، دينيس مانتوروف، سيزور القاهرة في أبريل/ نيسان المقبل، لبحث فرص الاستثمار في مصر وإقامة شراكات مع نظرائهم المصريين في المجالات المختلفة. وكشف منير فخرى عبدالنور، وزير الصناعة والتجارة، عن اتفاق بين الجانبين على إيفاد وفد من الخبراء المصريين لزيارة موسكو خلال الأسابيع المقبلة للتفاوض حول اتفاقية تجارية تتيح ضمان توريد كميات محددة من القمح الروسي لمصر، مع استثناء مصر من سداد رسوم التصدير التي أقرت مؤخراً، على أن توقع الاتفاقية خلال اجتماعات اللجنة.
ونقلت عن مسؤول ملف المفوضية الأوروبية بوزارة التعاون الدولي السفير جمال البيومي، قوله إن النتائج غير المباشرة لزيارة بوتين بدأت بشكل سريع أكثر مما كان الجميع يتوقعه، مشيراً إلى تشديد المفوضية الأوروبية على دعم التنويع الاقتصادي والنمو المستدام، وتحقيقاً لهذا يعمل الاتحاد الأوروبى على إبرام اتفاقات تكامل اقتصادي أو ما يُسمى التعميق الشامل لمناطق تجارة حرة مع مصر التي كانت تعطلت كثيراً منذ مطلع العام الماضي.
وتحت عنوان، "توابع زلزال الزيارة التاريخية"، تناولت صحيفة "المقال" المصرية المستقلة الصادرة حديثا، أن الزيارة حققت لمصر الكثير وسيكون لتداعيتها شأن كبير في بلورة الدور المصري في المنطقة، وكذلك حصدت روسيا ثمار صبرها بعد ما واجهته من مشكلات عديدة وشديدة الوطأة على دولة كبيرة مثلها من خلال محاولات اختراق الداخل الروسي والحرب الاقتصادية، وأن رؤية الرئيس بوتين الثاقبة كان لها دور في تحقيق الفوز في مسيرة المواجهات التي تخوضها روسيا.
واعتبر مقال صحيفة "الوطن" للكاتبة الصحفية، سهير جودة، أن التجربة الروسية في تجاوز أزمتها الاقتصادية فيه الكثير من الدروس المستفادة، مشيرة إلى أن سلسلة العقوبات التي فرضتها واشنطن وبلدان الاتحاد الأوروبي ضد روسيا، أثبتت أن الأخيرة مدعوة عملياً إلى البحث عن البدائل التي تقيها شرور مثل هذه العقوبات، وقد سارعت روسيا إلى تطبيق ما سبق أن طرحه بوتين لتنويع علاقات بلاده الاقتصادية من خلال ما عقده من اتفاقيات زادت على الأربعين اتفاقية مع الصين في مايو، أيار 2014، بما بدت معه كأنها الرد المناسب فى الوقت المناسب لما فرضته البلدان الغربية من عقوبات ضد روسيا.
واختتمت مقالها قائلة إن تجربة "روسيا- بوتين" ثرية وأكثر من مهمة… "اللهم اكتب لنا منها نصيباً".
أما الكاتب الصحفي معتز عبدالفتاح، فقد اعتبر زيارة الرئيس بوتين إلى مصر "كاشفة"، محذرا في مقال بعنوان "عاجل: زيارة بوتين الكاشفة" من الولايات المتحدة، موضحا أنه "ليس صحيحاً أن الولايات المتحدة لا تعارض مذكرة التفاهم التي وقعت عليها مصر وروسيا خلال زيارة الرئيس الروسي إلى القاهرة بشأن بناء محطة نووية في مصر، كما صرحت جين بساكي، المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية. فالبيت الأبيض قلق للغاية من التقارب المصري الروسي. روسيا في صراع مع الولايات المتحدة ومصر تخرج من الفضاء الحيوي والاستراتيجي للولايات المتحدة مغلّبة عليها تحالفات مع روسيا والصين.
وأنهى مقاله قائلاً "أتمنى على مسؤولي الأمن القومي المصري أن يجعلوا لهذا الموضوع أهمية كبرى. أميركا لن تتركنا نهنأ بعلاقات طيبة مع أعدائها".