تقرير: وليم عبد الله
يشرد المقاتل في الجيش العربي السوري ماهر ابراهيم وهو يروي قصته قائلاً: عندما تلقينا الأوامر بالتوجه إلى مدينة يبرود لتحريرها من رجس المسلحين، تذكرت صديقي الذي أسره المسلحون و ربطوه إلى سيارة لهم وسحبوه على الطرقات حتى تآكل لحمه ومات. كنت حاقداً على هؤلاء المسلحين وكان الانتقام من قاتليه وتحرير المنطقة هاجسي الوحيد.
وصلنا إلى مشارف المنطقة ورغم التهويل الإعلامي عن أعداد المسلحين الهائلة التي تسيطر على تلك المنطقة إلاّ أنّ عزيمتي لم تلين وتقدمنا بخطىً ثابتة إلى مدينة يبرود. استمرت المعركة بضعة أيام وتمكنا من تحريرها من الإرهابيين، اتخذنا مقراً لنا في أطراف المدينة، وبقينا متأهبين لأي هجوم عكسي علينا، وفي اليوم الأول من تمركزنا في المقر الجديد لمحت فتاة جميلة تقترب منّا تحمل بين يديها بعض الطعام لنا.
ابتسمت الفتاة وقالت لنا: لقد تمنينا أن نشارككم هذا الطعام، تقبلوه مني لو سمحتم.
يضحك المقاتل "ابراهيم" وهو يتذكر، ثم يلوذ بالصمت قليلاً فتتكلم الفتاة "غدير الغندور" قائلةً: كانت المرة الأولى التي أرى فيها دبابة تقترب من منزلنا، ورغم أنّ منظرها كان مرعب بالنسبة لي، لم أشعر بالخوف منها، فقد كنت مشدوهة النظر بالمقاتل الذي يسير أمامها وهو مقطب الجبين، شعور بالحزن خيّم على قلبي، جنود يحاربون منذ خمس سنوات، مغتربون عن منازلهم وأهلهم ما الذي يمكن فعله لأجلهم؟
قالت لي والدتي أن أتقاسم غدائنا معهم، فأخذت لهم وجبة طعام وكنت خائفة بعض الشيء، ولكن عندما وصلت إلى هذا المقاتل الغاضب ونظرت إليه، ابتسم لي وأخذ الطعام وقال شكراً.
تبتسم الفتاة وهي تنظر إلى زوجها وكأنهما يتذكران ما حدث، ومن هنا بدأت قصة الحب التي شغلتهما عن الحرب وقسوتها، ولكن الانتصار على الحرب ليس بالأمر السهل، فقد التحق الجندي العاشق بمهمة قتالية في حلب، وأجُبر على الابتعاد عن حبيبته، وتحولت لحظات الفرح لديهم إلى أيام حزن وقهر.
يتابع الجندي ابراهيم قائلاً: منذ اللحظات الأولى التي وصلت فيها إلى منطقة القلمون، توجهت إلى مدينة يبرود والتقيت حبيبتي من جديد، وقررنا الزواج سريعاً كي لا نفسح المجال للحرب أن تفرقنا من جديد.
قام أصدقائي الجنود وقائدي العسكري بالتحضير لكافة مستلزمات الزفاف وتمّ الزواج رغم كل الاختلافات التي فرضتها قوانين المجتمع المتخلفة، من اختلاف الأديان والعادات الاجتماعية والمناطق والانتماءات السياسية وغيرها.
منذ لحظات زواجنا الأولى ونحن نعيش بسعادة ولم نسمح لأي ظرف من الظروف أن يكدّر حياتنا، وبعد مرور عامين على زواجنا رزقنا بطفلنا الصغير وأسميناه "لمك"، وكل ما نتمناه الآن هو أن تنتهي هذه الحرب لنعيش بسلام وأن نمنح ابننا الصغير فرصة أن يعيش في وطن خالي من الرصاص والدم وآلام الحرب.