القاهرة -سبوتنيك. وبحسب إحصاءات صندوق الأمم المتحدة للسكان، ووزارة الصحة المصرية، فإن 92 بالمئة من النساء والفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و45 عاما تعرضن لشكل من أشكال الختان، ومع ذلك فإن أغلب الحملات والمبادرات تركز بشكل أساسي على تجريم الختان، ومنعه وتقليل نسبته، لكن قليلة هي المبادرات التي تقدم الدعم وتحاول علاج النساء اللواتي تعرضن للختان بالفعل.
في حديث مع وكالة "سبوتنيك"، يقول الدكتور عمرو سيف الدين طبيب النساء والولادة وأحد مؤسسي مركز "ترميم"، إن "فكرة هذا المركز تراودني منذ سنوات. أنا أعمل على موضوع الختان منذ عام 1998، وكثيرا ما لفت انتباهي حالات، خاصة حالات الختان الفرعوني [هو نوع من الختان تزال فيه الأعضاء التناسلية الظاهرة للنساء بالكامل]، بدأت أتساءل لما يُخضع الأهالي بناتهن لهذه العمليات".
ويضيف الطبيب المصري: "بدأت أدرس الفرق بين المرأة التي تعرضت للختان والمرأة التي لم تتعرض له، ثم بدأت بإجراء عمليات جراحية لنساء تعرضن للختان، لإزالة الجلد المتشوه والالتصاقات الناتجة عن الختان، وطورنا هذه العمليات الجراحية عام 2003، لتشمل تحويل مسار البظر إلى الوضع الطبيعي وليس فقط إزالة الالتصاقات الناتجة عن الختان من حوله، حتى جاءتنا فكرة تأسيس هذه الوحدة في جزء من المستشفى الذي أعمل به".
ماذا يقدم مركز ترميم للنساء؟
بدأ مركز "ترميم" العمل منذ نحو 8 أشهر، بمبادرة من الدكتور عمرو سيف الدين وطبيبة التجميل ريهام عواد، ويقوم عمل المركز على ثلاث طرق، وهي تقديم الدعم النفسي للنساء اللاتي تعرضن للختان، ومعالجة آثار الختان بطرق غير جراحية، وإجراء عمليات جراحية لتحسين آثار عملية الختان إذا استدعت الحالة إلى تدخل جراحي.
يوضح سيف الدين أن "هناك 3 تأثيرات أساسية تكون واضحة على النساء اللاتي يتعرضن للختان، أولا الحالة النفسية تكون سيئة جدا لأنه تشعر بالنقص والاختلاف بينها وبين بقية النساء في شكل أعضائها ووظيفة أعضائها، ثانيا الضعف في وظيفة الأعضاء التناسلية، وهذا النوع من العمليات الجراحية يحسن وظيفة العضو الأنثوي، الأمر الثالث الذي يؤثر على النساء هو الشكل الخارجي، لأن الختان يترك الكثير من التشوهات، ولذلك ابتكرنا له عملية لإعادة الشفرات وتحسين الشكل".
كما يشرح وظيفة المركز، بقوله: "أسسنا وحدة متعددة التخصصات لعلاج آثار الختان، شملت معالج نفسي، وهذا يعالج المرضى الذين يشعرون بمشكلات نفسية جراء الختان، وفي كثير من الأحيان نجد أن الفتيات لديهن غضب شديد ناحية الأم أو الأب الذين وافقوا على ختانهن، أو أحيانا يكون لدى النساء شعور بالنقص يجعلهن يرفضن الزواج، هنا نحول هؤلاء النساء لتلقى الدعم النفسي، حتى تتحسن حالتها وعلاقتها بزوجها أو بأبيها أو أمها، ويخف هذا الشعور بالنقص لديها".
ويتابع سيف الدين: "المهمة الثانية للوحدة أننا نقوم بعلاجات غير جراحية، تحسن وظيفة وأداء الأعضاء الأنثوية، وهذا يقلل نسبة الجراحات، لكن في حال لم تستجب الحالة بالشكل الملائم للعلاجات غير الجراحية، نقوم بعمل الجراحات".
ويسعى سيف الدين إلى تسجيل المركز الخاص حاليا كمؤسسة غير هادفة للربح، حيث يقول: "نعمل حاليا على تسجيل هذه الوحدة كمؤسسة أو شركة غير هادفة للربح، حتى نتمكن من تلقى الدعم من المؤسسات الأخرى التي تعمل في مجال ختان الإناث، وتقديم خدماتنا لعدد أكبر من النساء، وتوفير هذه العمليات لمن تريدها ولا تقدر على ثمنها، أو توفيرها بأسعار في مناسبة".
ويشير: "منذ أن بدأ عمل الوحدة، شهدنا إقبالا كبيرا، ولدينا قائمة انتظار، ولهذا نعمل على تحويلها لمركز مستقل".
40 مليون فتاة وامرأة تعرضن للختان
ويلفت الدكتور سيف الدين إلى أنه لا توجد إحصاءات دقيقة عن الختان في مصر، لكنها واحدة من أكثر البلدان في العالم التي يمارس فيها ختان الإناث، ويقول: "في مصر هناك ما يقرب من 40 مليون فتاة وامرأة بين سن 7 -69 سنة تعرضن للختان، علما بأن الأمم المتحدة تحتسب سن الختان في مصر من عمر 15 -49 عاما، رغم أن مصر تحديدا غير الدول الأفريقية تجرى عمليات الختان فيها من سن 6 سنوات حتى 15 سنة".
وتعد مصر واحدة من أكثر الدول في العالم التي تنتشر فيها حالات ختان الإناث، ورغم التجريم القانوني، والتحريم الديني لهذه العادة، إلا أنها مستمرة في الحدوث بدعم من ثقافة مجتمعة وشعبية متجذرة ترى في إجراء عمليات الختان للإناث "حماية لهن من الانحراف الأخلاقي".
مصر تلغي ثغرة قانونية وتغلظ عقوبة الختان
وقبل يومين، وافق مجلس الشيوخ المصري على تغليظ عقوبة ختان لتكون عقوبة من يجري ختان لأنثى، السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، وقد تصل إلى السجن لمدة عشرين عاما إذا كان من أجرى العملية طبيبا أو مزاولا لمهنة التمريض، لكن هذا القانون لم تتم الموافقة عليه بشكل نهائي بعد، إذ أمامه مسار تشريعي آخر داخل مجلس النواب، ثم الموافقة عليه من رئيس الجمهورية ونشره في الجريدة الرسمية ليبدأ العمل به.
وأصدرت مصر أول قانون لتجريم ختان الإناث في عام 1996، إلا أن القانون اشتمل على جملة "إلا لدواعي طبية"، وظلت هذه الجملة هي الثغرة القانونية التي استمر منها إجراء عمليات الختان،
وفي العام 2008، وافق البرلمان المصري على قانون يجرم ختان الإناث ويعاقب من يقوم به بالسجن لمدة تتراوح بين ثلاثة أشهر وعامين، وذلك بعد حادث وفاة الطفلة "بدور" البالغة من العمر 12 عاما (وقتذاك)، بعد خضوعها لعملية ختان، ما أثار الرأي العام، وتحرك الأزهر الشريف ليصدر بيانا بتحريم الختان، وحرك المؤسسات التشريعية لتبني قوانين تجرم ختان الإناث.
وفي 2016، عُدّل القانون وغلظت العقوبة ليتراوح السجن بين خمس وسبع سنوات للأطباء، وبين سنة وثلاث سنوات لمن يطلب ختان فتاة".
يعود الدكتور عمرو سيف الدين معلقا على تغليظ القوانين الخاصة بالختان بأنه "يجب أن تشمل على مادة لسحب رخصة الطبيب الذي يقوم بعملية الختان تمام"، موضحا أنه "في الريف وفي الصعيد [أماكن انتشار الختان بشكل أكبر] يجب أن تكون هناك حملات توعية بأضرار الختان، وأنه لا منفعة منه، خاصة وأن أغلب عمليات الختان تتم بعلم الأهل، ولا أحد يبلغ السلطات عنها إلا في حال وفاة البنت أو تعرضها لمضاعفات"، كما يلفت إلى العلاقة بين ارتفاع مستوى تعليم الفتيات، وانخفاض نسبة تعرضهن للختان.