بلا زينة أو حلويات... الغلاء يغتال فرحة اللبنانيين برمضان

ضغوط جمة تجثم على صدر المواطن اللبناني، تتزايد مع حلول شهر رمضان، وسط أوضاع اقتصادية متردية، دفعت بمراقبين إلى القول إن هذا الشهر قد يكون "الأصعب"، منذ أن نشأت "دولة لبنان الكبير" عام 1920.

بيروت– سبوتنيك. ربما كانت أهوال الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918) أصعب بكثير، حيث المجاعة والأوبئة والجراد؛ أما ما بعدها، فقد بقي لبنان قادرا على الوقوف على قدميه، إلى أن جاءت تطورات السنتين الأخيرتين، لتضعه أمام أسئلة وجودية غير مسبوقة.

جاء رمضان هذا العام، بلا رونق ولا نكهة، وندر أن تجد زينة رمضانية في سوق من الأسواق أو في الواجهات التجارية لمعظم المحال والمتاجر في بيروت، أو أن تجد بسطات الحلويات والعصائر المعتادة.

يقول محمد خطاب وهو صاحب متجر في شارع الحمرا في رأس بيروت: "صحيح أن الموسمين الرمضانيين السابقين كانا غير اعتياديين، لكن جنون الدولار هذه السنة جعل الأسعار قياسية".

ويضيف: "صار حضوري إلى المحل مناسبة للتسالي مع جيراني في المحلات المجاورة، لأن النتيجة هنا أصعب من الجلوس في المنزل بلا كهرباء".

وجرت العادة أن تجري مقارنة كلفة صحن الفتوش (سلطة خضار مشهورة في لبنان) في شهر رمضان كل سنة، لاكتشاف حجم غلاء أسعار السلع والمواد الغذائية؛ ولا سيما الخضار اللازمة لتحضير الطبق الشهير.

وسلطة الفتوش الشهيرة، تتكون من طماطم وخس وبقدونس ونعناع وليمون وخيار وثوم وفجل وبصل أخضر وفلفل أخضر، وما توفر من أعشاب؛ بالإضافة إلى الزيت والملح والسماق والخبز المحمص.

وحسب شركة "الدولية للمعلومات"، وهي من أبرز شركات الإحصاءات والاستطلاعات في لبنان، "بلغت كلفة طبق الفتوش في العام 2020 لـ 5 أفراد، 4250 ليرة، وارتفعت، في العام 2021 إلى 12290 ليرة. وبلغت في العام الحالي 50530 ليرة؛ أي بارتفاع سنوي مقداره 38240 ليرة، ونسبته 311 في المئة.

تجدر الإشارة إلى أن أسعار الخضار، وهي منتجة محلياً، ارتفعت بنسبة أعلى من ارتفاع سعر صرف الدولار.

ووصل متوسط سعر صرف الدولار الأمريكي، في نيسان/أبريل 2021، إلى 12000 ألف ليرة لبنانية؛ وفي بداية نيسان/أبريل 2022، إلى 23700 ليرة لبنانية.

وثمة تقديرات بأن يستمر الدولار على سعره الحالي، حتى منتصف شهر أيار/مايو المقبل، تاريخ انتهاء الانتخابات النيابية؛ ليشهد بعد ذلك قفزة كبيرة، في ظل تقديرات بأن يلامس عتبة الخمسين ألف ليرة لبنانية، قبل نهاية العام الحالي.

من جهته، يقول إبراهيم، وهو موظف في شركة في القطاع الخاص: "بينما كان موسم رمضان هو موسم فرح وتلاقي بين العائلات، نجد أن رمضان هذه السنة يأتي بصمت. فقط معايدات عبر الواتساب والسوشيال ميديا، وإذا قررت بعض العائلات أن تجتمع فسيكون ذلك حول مأدبة إفطار بسيطة جدا".

بدوره، يقول رامي، إنه يتلقى مليوني ليرة ومثلهما بدل نقليات، وكان في السابق يدعو والديه وإخوته طوال أيام رمضان؛ أما "هذه السنة، اتفقنا على أن نجتمع مرة واحدة، في أول يوم وآخر يوم فقط".

وتبدو أسعار اللحوم خيالية، فسعر كيلو الدجاج قفز عن 200 ألف ليرة (أقل من 10 دولارات)؛ وكذلك ارتفعت أسعار الحلويات، حيث بلغ كيلو البقلاوة المشكّلة حوالي 300 ألف ليرة (حوالي 13 دولارا).

تقول ناتالي وهي سيدة روسية متزوجة من لبناني، ويقيمان في كورنيش المزرعة، إنها تحضر الحلوى لأولادها منزليا؛ "لقد قرروا أن يصوموا هذه السنة، ولذلك سأصنع لهم كل شيء بيدي".

هذه الأحوال لا تسري على الطبقة الثرية، ونسبتها لا تتعدى الـ 3 في المئة في لبنان.

من يتصل بأحد مطاعم وسط بيروت، يجد عدم وجود حجوزات في أول يومين من شهر رمضان.

هناك لا يقبل أصحاب المطاعم من الزبائن الدفع بالبطاقة المسبقة، والدفع بالليرة اللبنانية (يمكنك أن تدفع باللبناني الكاش، أو بالطاقة المسبقة الدفع بالعملة الصعبة، ولكن شرط أن تكون البطاقة حديثة والحساب متوفر). في هذه المطاعم، تجد أفخم السيارات وزحمة سير ليلا ونهارا، وعمال "الفاليه باركينغ" يفتحون أبواب السيارات الفارهة لرجال ونساء تفوح عطورهن وتبرق ثيابهن.

لبنان "بيت بمنازل كثيرة"، كما يقول المؤرخ اللبناني، كمال الصليبي؛ هذا ما تشي به مشاهد رمضان في العاصمة.

وخلال جولة في شارع الحمراء، ندر أن تجد ابتسامة على الوجوه؛ وجوه شاحبة وحزينة وبعض المثقفين يجلسون في المقاهي، وحديثهم حول الانتخابات.

يقول الصحافي صالح الصعبي: "غريب أمر اللبنانيين .. فعلت هذه الطبقة السياسية كل ما فعلته بهم، وما زالوا يلبون الدعوة إلى مهرجانات انتخابية، وبعضهم يحمل الزعيم على أكتافه [كان يتصفح صحيفة لبنانية نشرت صورة أحد المرشحين مرفوعاً على الأكتاف]".

ومن حسن حظ الفقراء أن موسم رمضان يتقاطع مع موسم الانتخابات النيابية، المقررة في منتصف مايو المقبل، ففي محلة فردان في العاصمة، اصطف عشرات المواطنين ينتظرون الحصول على إعانات غذائية يوزعها أحد المرشحين يوميا؛ فيما تكفل مرشحون آخرون بتأمين وجبة ساخنة يوميا لكل عائلة.

وقرر أحد المرشحين في محلة الطريق الجديدة، توزيع المال على من يزوره في مكاتبه الانتخابية، بمعدل مليون ونصف المليون ليرة لبنانية شهرياً للعائلة الواحدة؛ وثمة صياغات مختلفة يقوم بها مرشحون في دوائر عديدة، لأجل رشوة الناخبين، إما بالطعام أو بالمال أو المحروقات، كما هو الحال في عدد من القرى اللبنانية النائية.

وتكاد تصادفك في معظم شوارع العاصمة جيوش من المتسولين ممن يقتحمون سيارتك أو جلساتك؛ فيما تنتشر ظاهرة السرقة في العاصمة. ويقول أحد عمال فرن عبد العزيز، قرب الجامعة الأمريكية في بيروت، إن ثلاث حالات سرقة هواتف خلوية سجلت أمام محله، خلال أقل من أسبوع واحد؛ كما تمت سرقة دراجة نارية أثناء وجود دورية للشرطة اللبنانية أمام الفرن نفسه.

تختلط الأشياء بعضها ببعض، غير أن روح الثورة والانتفاضة، التي ميزت اللبنانيين، في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، انطفأت بشكل لافت للانتباه؛ بدليل "حالة الاستكانة"، التي يعيشها الشارع اللبناني.

لامس سعر صفيحة البنزين سقف الخمسمئة ألف ليرة لبنانية (22 دولاراً أمريكياً) وصارت تعرفة السرفيس (التاكسي) في العاصمة، حوالي الأربعين ألف ليرة.

ويقول طلال سلمان رئيس تحرير صحيفة "السفير"، التي قررت الاحتجاب في مطلع العام 2017، وأطلقت موقعها الأرشيفي الإلكتروني قبل أيام قليلة، إن لبنان بلد عصي على التغيير والثورات بسبب نظامه الطائفي.

ويضيف في حديث مع "سبوتنيك"، إن ألف باء التغيير في لبنان تبدأ بنسف نظامه الطائفي من أساساته؛ وهذا وحده يمكن أن يعطي أملاً للأجيال الجديدة.

أما الشاب سامر مهدي، فلا يتردد في القول إنه يتردد على كل السفارات بحثاً عن تأشيرة هجرة؛ ويضيف ضاحكاً: "بلا رجعة".