رفض شعبي لزيارة ميلوني لتونس واتهامات لإيطاليا بتغليب مصالحها

وسط احتجاجات لعدد من التونسيين وصلت، أمس الأربعاء، رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، إلى تونس في زيارة وصفتها أطراف تونسية عديدة بأنها "زيارة مصلحة" لتنفيذ سياسة بلادها في تطويق أزمة الهجرة غير النظامية.

وهذه هي المرة الرابعة التي تزور فيها المسؤولة الإيطالية تونس في غضون سنة واحدة.

وتطرح هذه الزيارات المتتالية تساؤلات عدة بشأن توقيتها وخلفياتها ونتائجها المرتقبة على ملف المهاجرين الذي رسم خلافا بين الدولتين في الفترة الأخيرة، في ظل تنبيهات متعددة أطلقها الرئيس التونسي قيس سعيد بعدم السماح بتحويل تونس إلى مستقر أو معبر للمهاجرين غير النظاميين.

"لا أهلا ولا سهلا"

وأمام مبنى سفارة إيطاليا في العاصمة تونس وتحت شعار "ميلوني لا أهلا ولا سهلا"، احتشد اليوم العشرات من التونسيين تعبيرًا عن رفضهم لزيارة رئيسة الوزراء الإيطالية واحتجاجًا على ما وصفوه بسياسة "الابتزاز الإيطالي" لسلطات بلادهم باستغلال أوضاعها الاقتصادية الصعبة.

وكانت الرئاسة التونسية قد أعلنت، أمس، عن توقيع 3 اتفاقيات مع الجهات الإيطالية تتعلق الأولى بدعم الموازنة والثانية بتمويل المؤسسات الاقتصادية التونسية والثالثة بدعم التعاون في مجالي التعليم العالي والبحث العلمي.

ويرى المشاركون في هذه الوقفة الاحتجاجية أن هذه الاتفاقات تأتي في إطار المقايضة السياسية التي يعتمدها اليمين الأوروبي لوقف تدفقات المهاجرين غير النظاميين إلى سواحلهم بالإعتماد على مقاربات أمنية بحتة.

وسنة 2023، منعت تونس وصول ما يزيد عن 80 ألف مهاجر غير نظامي من مختلف الجنسيات إلى السواحل الإيطالية، وأكثر من 20 ألف آخرين منذ بداية السنة الحالية.

وحضر مع المحتجين عدد من عائلات المهاجرين المفقودين في إيطاليا الذين رفعوا شعارات من بينها "أين أولادنا.. من حقنا الإجابة".

يرى هؤلاء أن السلطات الإيطالية تتكتم عن ملف المفقودين التونسيين خلال رحلات الهجرة غير المنظمة باتجاه إيطاليا وتمتنع عن مد السلطات التونسية بمعطيات حول مصيرهم وأماكن تواجدهم.

"حسناء الشتيوي" واحدة من الأمهات اللاتي اكتوين بنار الفراق، حيث فقدت اثنين من أبنائها توجها إلى السواحل الإيطالية في رحلة غير نظامية قبل عام ونصف من اليوم.

قطعت حسناء نحو 70 كيلومترا من منطقة رأس الجبل بمحافظة بنزرت وصولا إلى تونس، لترفع صوتها وتطالب بالكشف عن مصير ابنيها "آدم" و"محمود".

تقول في تصريح لـ "سبوتنيك": "يجب أن يكشف المسؤولون الإيطاليون عن مصير أبنائنا سواء كانوا أحياء أو أمواتا".

وتضيف بأن وضعيتها تتشابه مع وضعية المئات من الأمهات اللاتي أرهقهن البحث عن فلذات أكبادهن الذين ركبوا قوارب الموت هربا من الفقر والبطالة.

"ابتزاز مفضوح"

يرى رئيس جمعية الأرض للجميع والمختص في قضايا الهجرة عماد السلطاني، في تعليق لـ "سبوتنيك"، أن زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني تندرج في إطار "الابتزاز الاجرامي" الذي تمارسه إيطاليا والاتحاد الأوروبي لتحويل البحر الأبيض المتوسط إلى مقبرة للمهاجرين.

وتابع: "جئنا هنا لنقول لميلوني لا أهلا ولا سهلا بك، ولنكشف للرأي العام أن ما يقع في البحر الأبيض المتوسط هو حرب غير معلنة تدار تفاصيلها في الكواليس".

ويشير السلطاني إلى أن زيارة ميلوني تهدف إلى تحويل تونس إلى "حارس أمين" للحدود الأوروبية على حساب حقوق للمهاجرين.

وتوجه السلطاني بخطابه إلى رئيسة الوزراء الإيطالية وإلى رئيس الجمهورية قيس سعيد، مطالبًا إياهم بوضع حد لهذه السياسات التي وصفها بالإجرامية.

وشدد على أن الشارع التونسي والمنظمات الحقوقية لن تسمح بتنفيذ هذا المخطط وستقف سدا منيعا أمام أي محاولة لتضييق الخناق على المهاجرين سواء الموجودين في الداخل التونسي أو الذين وصلوا إلى الشواطئ الأوروبية وتسعى إيطاليا إلى ترحيلهم بالضغط على السلطات التونسية.

وقال السلطاني إن تونس هي الطرف المتضرر من سياسة إيطاليا والاتحاد الأوروبي، داعيًا الرئيس قيس سعيد إلى توجيه خطاب مباشر إلى رئيسة الوزراء الإيطالية لحلحلة هذا الملف نهائيا ومطالبتها بمراجعة سياساتها.

وانتقد السلطاني تجاهل ملف المفقودين التونسيين خلال رحلات الهجرة غير المنظمة باتجاه إيطاليا، قائلا: "منذ ما يقارب الشهر عدنا بـ 6 جثث لمهاجرين تونسيين كانوا مدفونين في مقابر الأرقام الإيطالية، آن الأوان للكشف عن مصير المفقودين فأولادنا ليسوا أرقاما".

مصلحة انتخابية

بدوره، قال المتحدث الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، في تصريح لـ "سبوتنيك"، إن إيطاليا تسعى إلى تغليب مصالحها على حساب تونس وعلى حساب حقوق المهاجرين.

وأضاف: "لن نقبل بتحويل تونس إلى مصيدة للمهاجرين، فما ترمي إليه إيطاليا واضح وهو تحويل تونس إلى مركز احتجاز موسع للمهاجرين الراغبين في التنقل إلى الفضاء الأوروبي".

وأشار بن عمر إلى أن هذه الزيارة مرتبطة بالرهان الانتخابي الأوروبي في الصيف المقبل، مضيفًا أن ميلوني تسعى من خلال هذه الزيارات المتكررة إلى تعزيز موقعها هي واليمين المتحالف معها في المؤسسات السياسية للاتحاد الأوروبي والتسويق لمذكرة التفاهم التي وقعتها مع تونس على أنها الحل الأمثل لأزمة الهجرة في أوروبا.

وتابع: "استبقت ميلوني الفترة الصيفية وهي تحاول أن تشجع السلطات التونسية على تدعيم المنظومة الأمنية العاملة على السواحل من أجل منع وإيقاف وصول المهاجرين إلى إيطاليا واقناعها بتبني خيار إنشاء مراكز لحجز المهاجرين استجابة للأزمة الموجودة حاليا".

وتسعى المسؤولة الإيطالية، بحسب رمضان بن عمر، إلى انتزاع مزيد من التعاون من السلطات التونسية في مسألة الترحيل والتعرف على هويات المهاجرين الواصلين إلى إيطاليا بطريقة غير نظامية.

وعلى هامش هذه الزيارة، أكد رئيس الجمهورية قيس سعيّد، على "موقف تونس الثابت الرافض لأن تكون تونس مستقرا أو معبرا للمهاجرين غير النظاميين".

ودعا سعيد، في بيان نشرته الرئاسة، أمس، إلى اعتماد مقاربة جماعية لمسألة الهجرة ومحاربة شبكات المتاجرة بالبشر وبأعضاء البشر في جنوب المتوسط وفي شماله، مذكّرا، بالمناسبة، بأن تونس المتشبثة بالقيم الإنسانية بذلت جهودا كبيرة لرعاية المهاجرين غير النظاميين لكنها لا يمكن لها كأي دولة تقوم على القانون أن تقبل بأوضاع غير قانونية على أراضيها.