وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أن الوثائق تحدثت عن مبادرات "جادة" بشأن التعاون المأمول، موضحة أن مصر لم تثر فقط مسألة التعاون عن طريق إنشاء مشروعات مشتركة للاستخدام الأفضل لمياه النيل، بل هي التي اقترحت أول مشروع مشترك لإنشاء سد على النيل الأزرق، الذي تقيم إثيوبيا سد النهضة عليه الآن.
المشروع الأول عبارة عن سد على الطرف الجنوبي لبحيرة تانا، التي ينبع منها النيل الأزرق، مصدر قرابة 80 في المئة من مياه النيل الرئيسي.
وكان موقع السد المقترح على بعد 1000 كيلومتر على الأٌقل من موقع سد النهضة الذي توشك إثيوبيا على الانتهاء من بنائه قرب حدودها مع السودان.
وفي اقتراحهم، الذي كان ضمن تقرير بعنوان "صيانة النيل مستقبلا"، قال ثلاثة خبراء بريطانيون يعملون لدى الوزارة المصرية، وهم هيرست وبلاك وسيميكا، إن الهدف من السد المقترح هو "تحويل البحيرة إلى خزان يحفظ المياه التي تتدفق إلى النيل الأزرق متحولة إلى فيضانات تجمع الطمي في طريقها".
ووصف الخبراء مشروعهم بأنه "محاولة لاستخدام الحد الأقصى لإمدادات المياه في التنمية النهائية لمصر والسودان، وللمشروعات المقامة على النيل اللازمة لتحقيق هذا الهدف".
حينها أبدت بريطانيا، التي توقعت قبل عام 1990 الأزمة الحالية بشأن سد النهضة، تأييدها القوي للمشروع. وفي برقية إلى السفارة في القاهرة، قالت الخارجية البريطانية إن الهدف الرئيسي هو "تخزين المياه في بحيرة تانا للاستفادة منها في موسم الجفاف في حوض وادي النيل".
وتضيف البرقية، التي أرسلت نسخة منها إلى السفارتين البريطانيتين في أديس أبابا والخرطوم، إن للمشروع فوائد أخرى منها " تمكين إثيوبيا من توليد احتياطات هائلة من الكهرباء".
غير أن إثيوبيا لم توافق على المشروع، الذي سُمي مشروع بحيرة تانا، في حينه. ولم تشر الوثائق البريطانية إلى أسباب الرفض.
وبعد عشر سنوات تقريبا، كشفت وثيقة مصنفة "سرية للغاية" عن أن الإثيوبيين كانوا "أكثر اهتماما بمشروع من شأنه توليد الكهرباء لهم أكثر من اهتمامهم بمشروعات، مثل إنشاء سد على مخرج بحيرة تانا، سوف يفيد المصريين والسودانيين"، وذلك بحسب "بي بي سي".
توقع التقرير أن "يرحب الإثيوبيون بأن تجري لجنة فنية مستقلة دراسة مسحية لكل وادي النيل. ومن المحتمل ألا يعترضوا على أن ينظم البنك الدولي هذه العملية".
غير أن هذا لم يحدث. وبعد هزيمة مصر أمام إسرائيل عام 1967، فوجىء المصريون بأن إثيوبيا أنشأت، منفردة، السد وأطلقت عليه اسم "هدار شارا شارا"، دون إبلاغ القاهرة، بهدف توليد الكهرباء.
والمشروع الثاني، الذي جاء ضمن تقرير "صيانة النيل مستقبلا"، بحسب الوثائق البريطانية، سماه خبراء وزارة الأشغال العامة المصرية "مشروع النيل الاستوائي" وهو، وفق تقريرهم، عبارة عن سدين على بحيرتي ألبرت وفيكتوريا (سد شلالات أوين) في أوغندا. وهاتان البحيرتان هما أحد مصادر النيل الأبيض الذي يلتقى مع النيل الأزرق في الخرطوم ليشكلا نهر النيل المار بالسودان ومصر.
وبدأ العمل في سدد شلالات أوين في شهر فبراير/ شباط 1949. وافتتح أوائل عام 1954 بمشاركة مصر في التمويل. ولا تزال هناك بعثة هندسية مصرية مقيمة في أوغندا حتى الآن لمتابعة عمل السد.
وفي عام 1980، قدم المجلس العسكري الانتقالي في إثيوبيا شكوى ضد مصر إلى الاتحاد الأفريقي بعد إعلان السادات استئناف العمل في مشروع قديم يهدف إلى توصيل مياه النيل إلى شبه جزيرة سيناء المصرية.
واستشهدت السفارة البريطانية في القاهرة بمشروع سد شلالات أوين كي توضح للحكومة البريطانية عدم صدق ادعاءات إثيوبيا بأن المشروع يخالف التزامات مصر ويضر بإثيوبيا.
وأضاف التقرير "مصر احتاجت المياه للري بينما احتاجت أوغندا الطاقة الكهربائية. وبروح التعاون وحسن النية في إطار اتفاقية 1929، تعاونت الدولتان لتقاسم تكاليف بناء السد الذي يلبي متطلبات كل من الدولتين".
أما المشروع الثالث فهو قناة جونغلي لنقل المياه المسربة من منطقة بحر الجبل وتُفقد في المستنقعات المحيطة بها في جنوب السودان (جمهورية جنوب السودان حاليا). وتبدأ القناة من جونغلي، على بعد 80 كليومترا شمال المنطقة المطلة على بحر الجبل، إلى النيل الأبيض. وكان المتوقع أن توفر القناة ما يقرب من 13 مليار متر مكعب من المياه.
وتقول تقارير إن أعمال حفر القناة، التي كان من المتوقع أن يبلغ طولها 360 كيلومترا، بدأت في الربع الأخير من ثمانينيات القرن الماضي. ولكن العمل فيها توقف، لأسباب فنية وأخرى تتعلق بالحرب بين جنوب السودان وشماله، بعد حفر 260 كيلومترا.
وهناك تقارير حديثة تشير إلى مشاورات بين مصر وجمهورية جنوب السودان لاستئناف العمل بالقناة لتعوض جزئيا المياه التي تخشى مصر أن تفقدها بسبب سد النهضة الإثيوبي.