ذات مرة، عندما كان وفد روسي في القسطنطينية، قدّم لهم من ضمن الضيافة مشروب روح العنب، وقد أعجب الضيوف الروس بهذا المشروب، إلى حد أنهم قاموا لدى عودتهم إلى الوطن بتصنيع أول جهاز تقطير للكحول.
بدأ الناس يستخرجون الكحول من الحبوب، بسبب عدم إمكانية نمو العنب في روسيا. وقد أصبح المشروب القوي المبتكر، والذي أطلق عليه "أكوا فيتا" وتعني باللاتينية — "ماء الحياة"، النموذج الأولي من الخمور الحديثة. إن كلمة "الفودكا" مشتقة من كلمة "المياه"، بينما في أوقات سابقة كانت تستخدم مصطلحات أخرى مثل: النبيذ (خمر الخبز) والنبيذ المقطر، والنبيذ الساخن، والنبيذ المحترق والنبيذ المر…الخ.
يبدأ تاريخ التقطير الروسي، في الفترة ما بين 1448-1478، وتم اختراع تكنولوجيا تقطير الكحول من الحبوب والمواد الخام المحلية. وهذا ما تؤكده حقيقة أنه في عام 1478، قام إيفان الثالث بأول احتكار للدولة على إنتاج "النبيذ من الحبوب". وفي عهده ظهرت، للمرة الأولى، أماكن لاحتساء الكحول والتي سميت باللغة التترية بالحانات.
وصل مستوى الإدمان على الكحول في روسيا إلى حد لم يسبق له مثيل في عهد بطرس الأول، حيث قام بتهيئة الظروف من أجل "الشرب المفرط والمستمر". لقد كان المصلح العظيم يحتاج إلى الكثير من المال لبناء روسيا. وبفضل السماح قانونياً في استهلاك الكحول، تدفقت الأموال الضخمة إلى خزائن الدولة. لكن الخزنة والدخل أمر، والإدمان على الكحول أمر آخر. فبهذه الحالة لن يكون هناك من ناس قادرين على حرث الأرض وبناء الأسطول أو الخدمة في الجيش، لذلك كان من الواجب أن يحتسي الناس باعتدال وتعقل.
أما يكاترينا البراغماتية، فقد أخذت موضوع إنتاج النبيذ على محمل الجد، وقالت إنها تعرف أن النبلاء، المتجاوزين لاحتكار الدولة، يقومون بانتاج الفودكا في المنزل، ولهذا قامت بفرض رسوم على تراخيص تسمح لهم بالقيام بذلك. وبالتالي ظهر، في ذاك العصر، العديد من أنواع وأصناف الفودكا الروسية.
في عهد ألكسندر الثاني، ثم خلفه ألكسندر الثالث ونيكولاي الثاني، زادت روسيا من قوتها الاقتصادية، وأخذت تمارس تأثيراً متزايداً في السوق العالمية. وبطبيعة الحال، تطورت صناعة النبيذ بسرعة كبيرة، وأصبحت إحدى القطاعات الأكثر ربحا في الاقتصاد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وبذلك حصل صانعو الفودكا الروسية على شهرة في جميع أنحاء العالم.
ساهم العديد من العلماء الروس المعروفين في تحسين نوعية الفودكا. وكان الكيميائي الروسي العظيم دميتري منديليف أكثر حظا من الآخرين، حيث تمكن من حساب النسبة المثالية من الماء والكحول، للحصول على الفودكا اللذيذة. وفي عام 1894، تم تسجيل براءة اختراع لهذا المشروب الروحي القوي تحت اسم "موسكو المميزة".
وبحلول بداية القرن الماضي، أصبح السّكر في روسيا حالة انتشرت على نطاق واسع، لدرجة أن الحكومة اضطرت إلى تنظيم مجتمع لا يتعاطى الكحول. وفي نهاية عام 1914، فرضت الحكومة حظرا على إنتاج وبيع الفودكا، استمر إلى ما يقرب العشر سنوات.
وفي عام 1924، ألغى جوزيف ستالين قرار حظر الكحول، علماً أن ستالين كان شارباً للخمر، وإليه تعود فكرة منح مئة غرام لجنود الجيش السوفياتي. وبحسب قول المحاربين القدامى، تمكن العديد بفضل كمية الفودكا هذه من البقاء على قيد الحياة. وقد وصل إنتاج "المشروب الوطني" في عهد ستالين إلى 10 ملايين ليتر في السنة.