وأوضح المختصون في ماجستير التأهيل والتخصص بالتراث الشعبي في جامعة دمشق لـ"سبوتنيك" أن الحشد الكبير من البيوت الدمشقية لا يزيد ارتفاعها عن طابقين، وهذا ما انفردت به دمشق ومازالت في كل أنحاء العالم.
وأضاف المختصون أن مناخ دمشق متوسطي، ذو الصيف الحار _ الجاف ، والشتاء البارد نسبياً والماطر، غير أنه من حيث فاعلية أمطارها السنوية فأنها تتصف بمناخ جاف عموماً…ولهذا المناخ خصائص معروفة وأبرزها الحرارة، والإشعاع الشمسي، والرطوبة، والرياح، والأمطار وبسبب هذه الخصائص اجتهد المعماري الدمشقي لحماية البيت الدمشقي وعزله عن المؤثرات الخارجية عبر العناصر المعمارية التي هي النسيج العمراني باتباع أسلوب تجميع المباني والتقليل من تعرض أسطحها لأشعة الشمس المحرقة، وتظللها بمجاورتها بحيث أصبحت الطاقة الحرارية النافذة إلى داخل المباني محدودة، وبسبب تظليل الممرات لضيقها وما بها من انحناءات كثيرة أو تغطيتها كلياً أو جزئياً حمى المشاة من أشعة الشمس اللافحة في أثناء التنقل كما أن الطبيعة المتعرجة لشبكة الطرق أعاقت حركة الرياح المحملة بالأتربة وأن امتداد أسطح البيوت على ارتفاع واحد تقريباً جعل تيارات الهواء لا تؤثر في حرارة الجو في الدروب والحارات، كما أن تجميع عناصر البيت حول فناء داخلي "صحن الدار" إلى جانب تحقيق مبدأ الخصوصية له آثاره الإيجابية من الناحية المناخية لجهة المحيط الحراري بحيث تنخفض الحرارة من الظلال الناتجة عن تقابل أضلاع الصحن وتبخر مياه البحرات، وانعكاس أشعة الشمس على سطح أرضيته…وبالطبع لعبت الحجرات المحيطة دورها في تقليل الضغوط الحرارية.
وتابع محدثنا أن الحوائط السميكة والمغلفة والمدهونة بالأبيض وأيضاً المواد المستعملة فيها "حجر، طوب، لبن" ساعدت على الاحتفاظ بدرجات الحرارة الداخلية بعيداً عن التقلبات الخارجية وكذلك كانت الأسقف معزولة من خلال موادها الإنشائية "الخشب، الطوب، اللبن" عدا عن ارتفاع سقف الإيوان والقاعات يعادل ارتفاع طابقين مما يسمح بزيادة التهوية والرطوبة، وواجهات البيت الخارجية وبروزاتها العلوية تشكل كاسرات للشمس، مع صغر الفتحات الخارجية وتغطيتها بالمشربيات الخشبية في حين نجد فتحات الغرف الشتوية العلوية المطلة على صحن الدار واسعة ومتجهة نحو الجنوب وكل هذا يساهم في الحماية من حر الصيف ويمنح الرطوبة في الفصل الحار ويحمي من أشعة الشمس ويحقق التشميس في الفصل البارد.
وجاء البيت الدمشقي مغلقاً على البيئة الخارجية بجدران سميكة عالية صماء، ومنفتحاً على باحته الداخلية بكل ما فيها من نباتات وشجيرات وأشجار متنوعة، ونوافير مياه وزخارف، كما أن في تصميم مدخل البيت بألا يأتي منفتحاً مباشرة على صحن الدار، أو على غرفه، بل يفتح على دهليز كثيراً ما يحتوي على منعطف يؤمن حجباً تاماً للداخل عن الخارج.
وقد برع الحرفيون الدمشقيون في إبراز الزخارف النباتية، والخطوط الهندسية البديعة، والكتابات والتكوين الهندسي البديع الذي ظهر على الجدران المحيطة بصحن الدار، وحول الفتحات وعلى جدران القاعات والإيوان وفي الأسقف وغيرها، وفي التصميم المعماري للبيت الدمشقي، أول ما يواجه الداخل إلى المنزل هو الطابع المتواضع لمدخله: ممر ضيق، منخفض السقف، ينكسر بزاوية قائمة في نهايته لينفتح على صحن الدار، مع بركة في منتصفها ونافورة منبعثة من مركز هذه البحرة ترسل رذاذها دائماً، وحولها انتشرت تشكيلة من الأشجار أهمها الليمون والنارنج والكباد وبعض شجيرات الورد منسقة بذوق في زوايا الباحة، وفي جنوب الباحة السماوية قوس واسع مفتوح عليها هو الإيوان، ويبلغ ارتفاعه طابقين ولا يعلوه بناء آخر وهو مزين برسومات نباتية وأما في داخله فهو عبارة عن فراغ مسقوف مربع أو مستطيل المسقط أرضيته مرخمة وعلى مستوى الباحة لمسافة قصيرة، ثم ترتفع بمستوى درجة أو أكثر، أما الشريط الضيق على مستوى الباحة فهو عبارة عن ممر يصل بين قاعتي الاستقبال الواقعتين في جانبي الإيوان، في حين يشكل القسم المرتفع من الأرضية مفروشا بالدواوين من أطرافه الثلاثة مشكلاً غرفة المعيشة الصيفية الأكثر استعمالاً في المنزل.
لقد استطاع البيت الدمشقي أن يحقق الأمن والراحة والخصوصية لساكنيه بمكوناته العمرانية والمعمارية وما يتصل بهما من جمال وإبداع أن يكسر هذا الملل من خلال القبة السماوية المتغيرة خلال ساعات النهار وخلال الفصول المختلفة وتلاعب الظلال على مدى النهار.