وقع الرئيس الروسي، في شهر يونيو/حزيران من العام الماضي، على مرسوم يقضي باعتبار عام 2015 عام الأدب في روسيا، وقد صرح عن أمله أن يساهم هذا المشروع على نحو فعال في أن يعود اهتمام كل فئات المجتمع مرة أخرى بالأدب كرافد هام للوعي، كما أكد أن الدولة ستولي الأمر اهتمامها، وستسعى أن يكون بداية لمزيد من الإجراءات التي من شأنها إعلاء قيمة الثقافة والمعرفة.
وقد شارك بوتين في تدشين فعاليات عام الأدب في روسيا التي جرت على مسرح تشيخوف بموسكو في يناير/كانون الثاني العام الماضي. ومع بداية عام 2016، انتقل الاهتمام إلى السينما، مجال فني آخر يشكل مع الأدب ثنائيا حيويا وجوهريا في تشكيل بنية الثقافة والوعي. لكن ماذا عن النتائج التي حققها عام الأدب؟
ووفقا لأحد استطلاعات الرأي على الإنترنت التي جرت على مدار العام، تصدرت رواية أناتولي كوزنيتسوف "بابي يار" السباق، تلك الرواية التي صدرت عام 2014. يقول كوزنيتسوف:"لدى كل مركبة وجه، ينظر للعالم من خلال كشافاته، دون اكتراث، بغضب، بشجن، أو اندهاش." هذه الرواية — رواية توثيقية رائعة، تتناول إبادة اليهود في خريف 1941، أثناء الحرب العالمية الثانية. ويعد أناتولي كوزنيتسوف، الذي كان مراهقا في ذلك الوقت، شاهدا على قتل يهود كييف. تواصل كثيرا، مع الناجين من الكارثة؛ جمع شهادات معاصرين وشهودا آخرين. نشرت الرواية لأول مرة في جريدة "يونيست" عام 1966، ورغم تجاوزات الرقابة العديدة والسافرة بالحذف والاختصار، إلا أن العمل ظل قادرا على الانفجار والتأثير- فلم يجرؤ أحد قبل كوزنيتسوف على الكتابة عن الهولوكوست.
بالنسبة للقاريء، من ناحية أخرى، فإن التاريخ الحقيقي لبابي يار يبدو طويلا وصعبا. استطاع أناتولي كوزنيتسوف اصطحاب نسخة كاملة من الرواية معه إلى إنجلترا عام 1969، هناك حيث طلب لجوءا سياسيا. تم نشر الرواية بعدها بعام. لكن القارئ الروسي لم يتمكن من الإطلاع على نسخة كاملة، بعيدا عن مقص الرقابة، إلا بعد البريسترويكا. وهناك المزيد من التفاصيل الأخرى في الكتاب. هناك أيضا رواية "غدا كانت الحرب" للكاتب باريس فاسيلييف، والتي صدرت أيضا عام 2014. يقول باريس: "في أمر الشعر على وجه الخصوص، والفن بصفة عامة، تميل روحي أكثر إلى سيادة علامات الاستفهام على علامات التعجب، فعلامة التعجب إشارة بالإصبع، بينما علامة الاستفهام خطاف ينزع الأجوبة من رؤوسكم. يجب على الفن أن يوقظ الأفكار، لا أن يهدهدها". يتحدث باريس فاسيلييف، الذي سبق وشارك بنفسه في المعارك، عن الحرب بواقعية وصدق. انصب اهتمام الكاتب، أولا وقبل كل شيء، على الحب، الولاء، الالتزام الأخلاقي، المشاعر الصادقة في مقاومتها للسخرية.
أما في شأن الجوائز، فقد حقق الكاتب الروسي الشاب ألكسندر سنيغيريوف جائزة البوكر لعام 2015 عن روايتة "فيرا" التي تعني بالعربية الدين، ويستخدم كاسم علم مؤنث كذلك. كما حققت جوزيل ياخينا جائزة الكتاب الكبير، تلك الجائزة الرفيعة، عن روايتها "زليخة تفتح عينيها."
ومن الأمور المثيرة للاهتمام في إصدارات عام 2015، صدور عدد غير قليل من الكتب التي تتحدث عن روسيا سواء من كتاب خارج روسيا أو داخلها، فهناك في الداخل ما يشبه البحث عن الذات، إضافة إلى تساؤلات وجودية كثيرة تحتاج إلى إجابات، ربما يعرف الناس إلى أين هم ذاهبون، أما في الخارج فهي محاولات لتحليل ودراسة الأوضاع في روسيا، هذا الاهتمام الذي بدأ بالطبع في التزايد بعد نشوب الصراع في شبه جزيرة القرم، وربما نعتبره إعلانا بنهاية عصر ما بعد الاتحاد السوفيتي. ولا يخفى على أحد أن ظهور روسيا على الساحة السياسية العالمية قد أربك حسابات القوى، هناك إذن ضرورة لفهم الأوضاع وتحليلها على نحو يتيح المزيد من الوضوح في الرؤية. وقد أعد دميتري آلكين قائمة بأهم الإصدارات المهتمة بدراسة الأوضاع في روسيا خلال العام الماضي 2015، نعرض مختارات منها، وقد قسمناها إلى قسمين، القسم الأول ويعنى بالإصدارات داخل روسيا، والثاني بتلك التي صدرت خارج روسيا.
أما عن الإصدارات الأجنبية، تصدرها كتاب ستيف لي "القيصر الجديد: صعود وحكم فلاديمير بوتين" الصادر عن دار نشر كنوبف، نيويورك. يحكي الكتاب عن تاريخ فلاديمير بوتين منذ نعومة أظافره، أحلامه، اخفاقاته، انتصاراته، رحلة عمله في جهاز المخابرات السوفيتي واستقالته فيما بعد، ثم صعوده لمنصب رئيس الوزراء في فترة عصيبة من التاريخ الروسي الحديث، ثم إلى مقعد القيادة بعد تنحي يلتسين لأسباب صحية.