بعد توقف الحياة في السودان.. هل عجزت السلطة العسكرية عن إدارة البلاد؟

لم يهدأ الشارع السوداني منذ إجراءات 25 أكتوبر/تشرين أول الماضي التي أدت إلى تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، حيث وصلت البلاد إلى حالة الانهيار الكامل وبدأت الفوضى تنتشر حتى في العاصمة نتيجة الغلاء وانسداد الأفق السياسي.

ما الذي أوصل السودان إلى تلك الحالة، وهل يمكن الخروج منها الآن أم أن الحلول السياسية فشلت جميعها أما إصرار الثوار على البقاء في الشارع وعدم استجابة المكون العسكري لمطالبهم؟.

بداية يقول الخبير الاقتصادي السوداني، الدكتور محمد الناير، إن تحقيق الاستقرار الاقتصادي مرتبط بتحقيق الاستقرار السياسي والأمني، لذا فهناك ضرورة لخلق توافق سياسي، وإن لم يحدث هذا، فإن البلاد بأكملها ستتعرض لتهديد خطير.

رؤية توافقية

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، لا بد أن يتوافق الجميع وأن يتنازل البعض من أجل الوصول إلى رؤية توافقية، لأننا على الدوام نقول، إن لم يعلي الجميع المصلحة العامة للسودان على المصالح الذاتية والمصالح الحزبية والقبلية، فلن يتقدم أو يتطور السودان على الإطلاق.

وطالب الخبير الاقتصادي الجميع بالتنازل عن بعض الخلافات بين الفرقاء السياسيين في البلاد.

وأكد أنه يجب أن يتم علاج حالة السيولة الأمنية من خلال الأحكام والقوانين الرادعة، وكل من يحاول تجاوز القانون يجب أن يلاقي العقاب الذي يناسب ذلك، لكي يكون عبرة للآخرين.

وأكد الناير على "مسؤولية الدولة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، حيث تدهور الوضع بصورة متسارعة، وهذا ناتج عن أن سياسات الدولة نفسها لم تكن جيدة لكي تحقق الاستقرار الاقتصادي، حيث أقبلت الدولة على نظرية التعويم الاقتصادي أو سعر الصرف المرن في الوقت الذي لا تمتلك الاحتياطي اللازم من العملات الأجنبية".

وأضاف: "قلنا من قبل إنه إن لم يكن لدى الدولة احتياطي كافي من النقد الأجنبي، ستكون تلك الخطوة بمثابة قفزة في الظلام، حيث كان الأسبوع الماضي أسبوع ترقب من قبل السوق الموازي، وهذا الأسبوع بدأت تجربة السوق الموازي واختبار الدولة من خلال زيادة أسعار الدولار وهو ما يحدث الآن، أو خفض قيمة الجنية السوداني في السوق الموازي، لكي يكتشف مدى قدرة الدولة على الضخ أم لا، ومن الواضح أن الدولة حتى الآن لا تمتلك الاحتياطي الكافي ولم تعجل الأمور في سبيل استقطاب النقد الأجنبي بصورة سريعة لتشكل حماية لهذه السياسة المعلنة".

المشكلة الكبرى

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن: "قيمة العملة الوطنية تتراجع يوما بعد يوم، وبنك السودان أطلق المصارف في تحديد السعر الذي تريده وهذه السياسة بها مخاطرة كبيرة في حال عدم وجود احتياطي من النقد الأجنبي، وكان العكس يمكن حدوثه لو كان هناك احتياطي من العملات الأجنبية، وهناك سياسات أخرى مشجعة لتصدير الذهب نأمل أن تطبق بالكامل، حتى تنعكس إيرادات هذا المعدن على الاقتصاد السوداني إيجابا، بدلا من فقدان نسبة كبيرة جدا منه في التهريب".

وتابع: "يجب أن تنشىء بورصة الذهب اليوم قبل غدا، لأن إنشاء البورصة يمكن أن يحد بصورة كبيرة من عمليات التهريب والتخزين، لكن المشكلة الكبرى هي أن هناك بطء كبير جدا في إدخال السياسات أو إدخال السياسات غير المدروسة، هذا بالإضافة إلى عجز الدولة عن تشكيل حكومة كفاءات وتشكيل هياكل السلطة الانتقالية".

من جانبه يرى السياسي السوداني، خضر عطا المنان، أن: "الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية تدهورت بصورة كبيرة منذ الانقلاب في 25 أكتوبر/تشرين من العام الماضي 2021 ، وزادت حدة التدهور لأن العسكر لا يملكون رؤية اقتصادية أو فكر ولا يستطيعون إيجاد المخرج، ومنذ استقالة حمدوك في الثاني من يناير/كانون ثاني الماضي، ظل العسكر يتخبطون واتجه معظمهم إلى دول الخليج بحثا عن مخرج على الصعيد الاقتصادي"، على حد وصفه.

وأضاف: "أما بالنسبة للوضع المعيشي فقد تدهور بصورة كبيرة جدا، والسلطات تنظر إلى الشباب الذين يخرجون من آن إلى آخر للتعبير عن رأيهم والمطالبة بدولة الديمقراطية والمواطنة، هؤلاء تخشاهم السلطات الانقلابية والمصنف قادتها كمجرمي حرب منذ بداية الاقتتال في دارفور 2003، ومعظم تلك القادة ارتكبوا جرائم ضد المدنيين، ثم انتقل هذا الإجرام إلى الخرطوم".

غياب حمدوك

وعبر عن اعتقاد في حديثه لـ"سبوتنيك" أن هناك "حالة التخبط والانهيار التي يعيشها العسكر وتعيشها السودان الآن يرجع السبب الأساسي فيها إلى غياب الدكتور عبد الله حمدوك، فلم يجد العسكر رجل مثل حمدوك لديه رؤية وعلاقات قوية مع دول العالم، واستطاع في الفترة الوجيزة التي قاد فيها البلاد أن يفتح الكثير من المنافذ الخارجية للسودان، في الوقت الذي لم ترتفع فيه القوى السياسية أو الحاضنة الثورية إلى المستوى المطلوب ليكونوا سندا له في مواجهة تيار العسكر وفلول النظام السابق"، على حد تعبيره.

وتابع المنان: "عندما لم يجد حمدوك من يقف بجانبه فضل تقديم استقالته من رئاسة الوزراء والخروج من البلاد، والآن الشوارع الثائرة من الشباب وغيرهم ينادون بعودته، لأن كل الوقائع التي حدثت تقول إنه لا مخرج من الوضع الراهن بلا حمدوك، نظرا لتوقف الحياة على كل الأصعدة وحيرة العسكر، رغم جولاتهم الخارجية التي لم يعودون منها بأي فائدة على كل الأصعدة".

ويشهد السودان احتجاجات متواصلة في عدة مدن وولايات، تلبية لدعوات من قوى سياسية تعارض الإجراءات التي اتخذها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021.

وتضمنت هذه الإجراءات، إعادة تشكيل المجلس السيادي، واعتقال عدد من المسؤولين، والإطاحة بحكومة رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك ووضعه قيد الإقامة الجبرية؛ قبل أن يعيده إلى منصبه بموجب اتفاق بينهما، في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2021.

غير أن حمدوك أعلن، في 2 كانون الثاني/يناير الماضي، استقالته رسميا من منصبه؛ على وقع الاحتجاجات الرافضة للاتفاق السياسي بينه وبين البرهان.

ومؤخرا، وجه رئيس مجلس السيادة السوداني بالشروع في الإجراءات العملية للانتخابات في تموز/يوليو 2023.

إلا أن عددا من القوى السياسية الفاعلة في الشارع ترفض الحديث عن أي إجراءات انتخابية، في الوقت الحالي؛ معتبرة أن المناخ السياسي والأمني يحتاج إلى تهيئة أفضل.

وقالت لجنة أطباء السودان المركزية الموالية لحركات الاحتجاج اليوم الخميس إن حصيلة القتلى من المحتجين بلغت 90 شخصا.