هل تسمح مصر باستخدام نظام الدفع "مير" للسياح الروس القادمين إليها؟

يشهد الاقتصاد العالمي الكثير من التغييرات بعد العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، والتي قامت على أثرها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب بفرض عقوبات على روسيا، الأمر الذي دفع موسكو لاستخدام البدائل والأنظمة المصرفية المتاحة لديها.

ويعتبر نظام الدفع الروسي المحلي "مير" أحد تلك البدائل للتعاملات الخارجية بالروبل، فما مدى تقبل الدولة المصرية للنظام في التعاملات والأنشطة وبشكل خاص النشاط السياحي؟.

بداية يقول الخبير الاقتصادي المصري، الدكتور محمد فراج، إن أي عمليات قبول لنظام دفع ثنائي بين مصر والاتحاد الروسي وفقا لنظام "مير الروسي" يجب أن يكون ذلك بقرار من البنك المركزي المصري، وهي مسألة لا بد من بحثها، لأن نظام "مير" هو نظام دفع محلي روسي.

الصفقات المتكافئة

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "بحسب علمي هناك اتفاقات بين القاهرة وموسكو على عمليات للدفع بالعملة الوطنية للبلدين، حيث كان هناك نظام أشبه بالصفقات المتكافئة بين مصر وروسيا خلال الفترات الماضية، هنا يتم الدفع بالعملات المحلية بين البلدين، لكن الأمر ليس مفتوحا، بل يخضع لقدر معين من التعامل، فلا يأخذ الروس الجنية بشكل غير محدد ولا يسري نفس الشيء على مصر، أما ما يتعلق بالسياحة في ظل الظروف السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تعيشها روسيا حاليا، فلم نسمع عن قرارات بوقف السياحة من جانب روسيا، ومع ذلك لا أعتقد أن السياحة في هذا الوقت تمثل الظاهرة الملحة التي تستوجب حاليا البحث عن بدائل للدفع، علاوة على ذلك يجب أولا البحث عن الطرق التي سيخرج بها السياح من روسيا قادمين إلى مصر في ظل تعقيدات المشهد الراهن، وفي أي أجواء سوف تحلق الطائرات الروسية، وهل خط سير الطائرات سيمر بدول موقعة على قرار حظر الطيران المفروض من قبل الغرب وأمريكا، ولكي يخرج أي سائح ويرغب في استخدام هذا النظام "يجب أن يكون الأمر متفق عليه بين تلك الدول".

العملات الوطنية

وتابع الخبير الاقتصادي: "تصريحات الرئيس الروسي بوتين حول التحول لنظام الدفع بالعملة الوطنية وفق نظام الدفع "مير"، يتطلب أيضا وجود اتفاقات واضحة بين البنوك المركزية للدول التي ستدخل في تلك المنظومة، وخلال الأزمة الأخيرة كانت هناك العديد من القرارات حول عمليات تصدير القمح من روسيا إلى مصر، والتي أعلنت موسكو مؤخرا أنها سارية مع مصر، لكن مثل تلك الصفقات كان متفق عليها وعلى طرق الدفع في السابق، أما ما يتعلق بالسياحة فإن الأمر يتطلب إبرام اتفاق بين البنوك المركزية لكل من مصر وروسيا، وكل الاتفاقات الثنائية بين روسيا وعدد من الدول للدفع بالعملات الوطنية لم يكن لها علاقة بنظام الدفع الروسي "مير"، لأن مير وتطبيقه حتى بعيدا عن السياسة هى مسألة فنية تتطلب اتفاقا محددا بين الخبراء".

قبول لـ "مير"

من جانبها تقول الخبيرة الاقتصادية والمالية، حنان رمسيس: "لا شك أن مصر تتقبل جدا نظم الدفع الروسية المحلية بعد أن تعمم حول العالم، لأن مصر تعلم أن الأزمة الحالية في روسيا هى أزمة تتعلق بأمنها القومي وعدم إتاحة الفرصة لها من جانب الغرب للتعبير عن تأمين حدودها ومصالحها واقتصادها".

وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك": "عندما قام الغرب بإخراج روسيا من نظام "سويفت"، هذا الأمر كانو يتوقعون أنه سوف يؤدي إلى انهيار الاقتصاد والتحويلات الروسية، خصوصا أن العديد من شركات النفط والغاز تعتمد على "سويفت" في التحويلات، وكذلك المستثمرين داخل وخارج روسيا يعتمدون عليه، لكن بدأت موسكو تستفيق من تلك الأزمة بتواجد نظم دفع أخرى تستطيع من خلالها استكمال نشاطاتها الاقتصادية دون تأخير أو تشويش، وروسيا من الدول التي يجب مساندتها ليس من أجل مصالح بعينها، إنما هذا هو المسار السليم، حيث يجب على كل دولة أن تعبر عن سياستها بالأسلوب الذي تراه، حيث أن الأزمة الحالية نبعت في أوكرانيا نظرا لاعتزامها الانضمام إلى حلف الناتو، الأمر الذي يعني الإضرار بالمصالح الروسية سواء كانت سياسية أو اقتصادية واجتماعية، لأن انضمامها للناتو سيعطي الفرصة للغرب للتدخل في الشؤون الروسية القوية جدا والتي لها مكانة وقوة لا يستهان بها والداعمة للاقتصاديات المحيطة".

مواجهة اقتصادية

وتابعت الخبيرة الاقتصادية "أن استحداث أو العمل بنظام دفع محلي لتعميمه خارجيا هو أمر مقبول بكل تأكيد، وقد رأينا السعودية عندما صرحت بإمكانية تعاملها بالروبل الروسي أو اليوان الصيني لكبح جماح الاقتصاد الأمريكي الذي يحاول السيطرة على اقتصاديات العالم حتى لا يكون هناك اقتصاد ينافسه أو يناطحه في مصالحه الاقتصادية، وقد لا حظنا أن تأثير العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا على الاقتصاد الروسي ليس عميقا، وحتى مع التصعيد المستمر من قبل الاتحاد الأوروبي وأمريكا، نجد الاتحاد الروسي يحتفظ بكيانه وتوجهاته وحلفائه، واقتصاده مشهود له بالقوة والقدرة والكفاءة والنمو المتزايد".

محط اهتمام

وحول قبول مصر لنظام الدفع الروسي "مير" في التعاملات خصوصا في القطاع السياحي قالت رمسيس: "يمكن التعامل بنظام "ATM" محلي روسي داخل مصر وفق بعض التعديلات الفنية، كما يمكن تحويل الروبل إلى الجنيه المصري، فلن يمنع الدولار التعاملات السياسية والاقتصادية بين مصر وروسيا، ومصر متفهمة للموقف الراهن، حتى أنه في فترة توقف السياحة الروسية والتي تمثل الداعم الأكبر للسياحة المصرية، حيث تمثل السياحة الروسية أكثر من 40 في المئة من السياحة العالمية التي تأتي إلى مصر، لذا فإن قبول أي نظام دفع تقترحه روسيا سيكون محط إهتمام الحكومة ووزارة السياحة المصرية لدعم التعاون وتقوية جذور الثقة بين الجانبين، اللذين تحكمهما علاقات تاريخية قديمة لا تنسى أبدا".

سلة العملات

وأشارت الخبيرة الاقتصادية إلى أن العقبة الأساسية هي، هل يتواجد الروبل الروسي في سلة العملات التي تتعامل بها الدولة أو الاقتصاد المصري، وحتى إن لم يكن الروبل موجود في سلة العملات يمكن أن يقوم البنك المركزي بإضافة سعر صرفه في النشرة اليومية للبنك ويمكن التعامل عليه وفق هذا السعر، الأمر كله عبارة عن قرارات بيد متخذ القرار، ويمكن أن يتم ذلك بدون أي مشاكل أو عقبات اقتصادية.

غياب البديل

بدوره يقول الخبير الاقتصادي المصري، محمد نصر الحويطي: "مع اعتماد مصر على السياحة الروسية والتي تعد الأكثر تواجدا في السوق السياحي المصري، فلو لم يكن هناك بديل عن أنظمة الدفع الأخرى المحلية أو العالمية، أعتقد أن بإمكان مصر الاعتماد على نظام الدفع الروسي"مير" ويصبح هناك تعاون في تلك المسألة".

وأوضح في حديثه لـ"سبوتنيك": "هناك أشياء هامة يجب التفرقة بينها اقتصاديا، فلا يمكن القول أن رسوم عبور قناة السويس يكون بالجنية المصري أو بيع الغاز الروسي بـ"الروبل"، على سبيل المثال إذا قامت دولة ماء بالحصول على الروبل من البنوك الروسية، ماذا ستفعل به، سأقوم برده إلى الدولة الروسية في عمليات التبادل التجاري، بدورها ستقوم روسيا باستخدامه في عملية الاستيراد، أي أنها ستحوله أيضا إلى الدولار، لذا يجب أن تكون هناك عملة عالمية تدخل إلى حلبة المنافسة مع بقية عملات العالم، أي يجب أن يكون هناك تكتل عملات لعدد من الدول".

العملة الحاكمة

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن العملات المحلية كالجنيه والروبل يمكن استخدامها في عمليات التبادل التجاري بين مصر وروسيا على سبيل المثال، وفق اتفاقات ثنائية وفيما يعادل الدولار الأمريكي "لأنها العملة الحكم الآن"، فلا يمكن مقارنة السياحة الروسية في مصر بالتبادل التجاري بالعملة المحلية والذي يكون غالبا محدد القيمة وغير مفتوح، في نفس الوقت يجب أن تكون هناك عملة مرجعية تمثل وحدة قياس عادلة للطرفين، وهنا يمكننا القول بإمكانية دخول مصر إلى نظام الدفع الروسي "مير"، لكن هنا يجب تعديل صياغة النظام ليتلائم مع وحدة قياس مرجعية لكلا البلدين وفي كل الأحوال الأمر يتعلق بقبول الطرف الآخر لنظام الدفع "مير".

وتسبب قرار شركتي أنظمة الدفع العالمية الرئيسية فيزا (Visa) وماستر كارد (Mastercard) بتعليق العمل بروسيا إلى طرح موسكو وبقوة موضوع الآلية البديلة التي ستعتمدها البنوك الروسية لمواجهة تداعيات القرار، الذي جاء ضمن قائمة عقوبات غربية غير مسبوقة ضد موسكو بسبب العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا

أوضح البنك المركزي الروسي أن فصل روسيا عن نظام الدفع العالمي وتوقف بطاقات أنظمة الدفع الدولية عن العمل، لن يؤثرا على عمل البطاقات المذكورة إذا تم إصدارها في روسيا، وستبقى تعمل بشكل طبيعي في جميع أنحاء البلاد، لكنها لن تكون صالحة في نظام الشراء من المتاجر الأجنبية عبر الإنترنت.

وتملك روسيا نسختها المحلية لنظام الدفع الوطني، وهي بطاقات "مير" (Mir) التي تعتبر الأساسية بالنسبة لـ42% من حاملي البطاقات المصرفية في روسيا، وتم إصدارها لأول مرة في العام 2015، ويتعامل بها حوالي 100 مليون مستخدم، وصالحة للاستعمال في عدد من الدول، من بينها تركيا وفيتنام وأرمينيا وأوزبكستان وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا.

وعلى خلفية أزمة القرم في عام 2014، والعقوبات الغربية التي تلت انضمام شبة الجزيرة إلى روسيا، لجأت موسكو إلى استحداث نظام تحويل الرسائل المالية الخاص بها "إس بي إف سي" (SBFC)، ليكون بديلا إذا تم فصلها عن نظام "سويفت" (SWIFT) الدولي لتحويل الأموال.