المنشقون عن حركة النهضة يستعدون للإعلان عن حزبهم الجديد.. فما هي ملامحه؟

يسارع المنشقون عن حركة "النهضة" التونسية الخطى نحو الإعلان عن تأسيس حزب جديد، يقولون إنه سيكون اجتماعيا وطنيا ديمقراطيا ومحافظا يستوعب أخطاء الماضي ويبني عليها.

وكشف القيادي المستقيل من حركة النهضة ووزير الصحة السابق، عبد اللطيف المكي، أنه سيتم خلال الأيام القليلة المقبلة عقد جلسة تأسيسية للحزب الجديد، يقع إثرها إيداع الملف القانوني لدى الجهات المعنية قصد الحصول على التأشيرة.

وقال المكي إن الإعلان عن تأسيس هذا الحزب هو "تتويج لأشهر من النقاش والعمل في لجان تأسيسية لبلورة مشروع حزب سياسي جديد بناءً على استيعاب دروس الماضي واعتمادا على معطيات الواقع واستشراف آفاق المستقبل"، مشيرا إلى أن الحزب سيسهم في إخراج البلاد من الأزمة السياسية والإنقاذ الاقتصادي.

وسيضم الحزب بالأساس القيادات التي استقالت من حركة النهضة وعلى رأسهم عبد اللطيف المكي وسمير ديلو ومحمد بن سالم وآمال عزوز، إلى جانب مجموعة من المستقلين الذين لم تعرف لهم انتماءات حزبية سابقة.

حزب "يقطع مع الأيديولوجيات"

وفي تصريح لـ"سبوتنيك"، أكدت إحدى مؤسسات الحزب الجديد "آمال عزوز" وهي عضو سابق في المجلس الوطني التأسيسي لحركة النهضة، أن هذا الحزب يضم غالبية المنشقين عن حركة النهضة وعددهم 118، مشيرة إلى أن عدد الأعضاء بلغ حاليا 230 عضوا لم تكن لنصفهم علاقة بحركة النهضة أو تجربة حزبية سابقة.

ولفتت إلى أن أكثر من نصف تركيبة الحزب من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 45 سنة، وأن الحزب سيضم العديد من الإطارات والخبرات في الاقتصاد والتعليم العالي والطب، مشيرة إلى أن نسبة حضور المرأة فيه لا تزال دون المستوى المرغوب وتناهز الـ 25%.

وعن توجهات الحزب، قالت عزوز إنه سيقطع مع جميع الأيديولوجيات، مضيفة "طوال 8 أشهر لم تنقطع اجتماعاتنا، قمنا بمراجعات كبرى ناجمة عن تقييم الأخطاء السابقة وعن مراجعة عميقة خاصة للأحزاب التي حاولت فرض أيديولوجيا معينة على الشعب.. سنرفض أي أيديولوجيا تسعى إلى فرض نفسها على المجتمع أو تحاول تغييره".

وذكرت عزوز أن هذا الحزب لن يكون فوق الشعب وأنه سيؤمن بما يؤمن به التونسيون ويتبنى مكتسباتهم ويحميها، قائلة: "سنكون حزبا محافظا ولكن ليس بالشكل الديني وإنما حزبا محافظا على قيم وثقافة المجتمع وعلى مكتسبات الدولة الحديثة".

وأشارت إلى أن الحزب سيتبنى أيضا التوجه الاجتماعي ولكن سيقطع في المقابل مع البرامج التي تم تقديمها في العشرية الماضية والتي ترفع شعار إدماج الفقراء ورفض التهميش وتُكرّس في المقابل قوانين لا تخدم سوى أصحاب الثروة، مؤكدة أن الحزب سيتبنى الاقتصاد التضامن الاجتماعي الذي يعيد دور الدولة في حماية الفئات الهشة.

وأكدت عزوز أن هذا الحزب سيكون ديمقراطيا بالمعنى الحقيقي للكلمة، وأضافت "لقد غادرنا حركة النهضة لأننا كنا عجزنا عن المطالبة بالديمقراطية في حزب ليس ديمقراطيا، ديمقراطيتنا ستكون مبنية على احترام المؤسسات والقانون".

وحول كيفية تعاطي الحزب مع المتغيرات السياسية بعد 25 يوليو/ تموز، قالت عزوز إن المنتمين إليه سيواصلون التحرك ضمن حراك "توانسة من أجل الديمقراطية" الذي تأسس لمواجهة الانقلاب على الدستور الذي ناضل من أجله التونسيون وفقا لقولها. وأضافت "هذا الحراك سيكون منفتحا على كل من يطرح نفسه لإعادة المسار الديمقراطي ويقدم برنامج إنقاذ يمكن أن يشمل حتى تغيير الدستور ولكن ليس بشكل مسقط وإنما يتم الاتفاق عليه في مؤتمر حواري لا يقصي إلا من يقصي نفسه".

وأكدت عزوز أن الحزب بلغ 80 في المائة من الجاهزية وأنه أتم إعداد ميثاقه الأخلاقي وجزءا كبيرا من الهيكلة والبرامج، مشيرة إلى أن المنتمين إليه يسارعون الخطى نحو الإعلان الرسمي لميلاد هذا الحزب الذي لن يتجاوز أياما معدودات.

حزب قادر على تقديم الإضافة بشرط

وحول مدى قدرة هذا الحزب على إيجاد موطأ قدم ثابتة في الساحة السياسية التونسية، يرى الأكاديمي كمال بن يونس في حديثه لـ "سبوتنيك"، أن هذا المولود السياسي الجديد قادر على أن يكون حزبا وطنيا وأن يلعب دورا مهما إذا قطع مع فكرة كونه يبني خيمة بجانب مقر حركة النهضة، معتبرا أن من بين أخطاء النهضة الفادحة طوال العقود الخمسة الماضية هي أنها بقيت في إطار معين.

وأضاف بن يونس: "تأسيس حزب جديد بمائتي شخصية من المستقيلين والمستقلين يمكن أن يكون مهما جدا وأن يستقطب آلاف المستقيلين من حركة الاتجاه الإسلامي ومن حزب حركة النهضة طوال عشرات السنين ومن أحزاب أخرى من تيار الهوية وربما من التيار الاجتماعي الديمقراطي الليبرالي الوَسطي إذا تجاوز أنه مجرد ردّ فعل على غلطات حركة النهضة أو خلافات شخصية مع بعض قياداتها ومع رئيسها راشد الغنوشي".

ويتوقع بن يونس أن ينجح هذا الحزب في كسر الصورة التي رسمتها حركة النهضة في أذهان التونسيين وأن يقدم الإضافة خاصة وأنه معظم المنخرطين فيه هم من الجيل الثاني والثالث لحركة الاتجاه الإسلامي وليسوا من الجيل الأول المؤسس.

ويقارب بن يونس تجربة هذا الحزب بتجربة حزب العدالة والتنمية التركي الذي قطع مع حزب نجم الدين أربكان الإسلامي وتطور إلى حزب وطني جامع نجح في استقطاب قيادات من الليبراليين واليساريين والحداثيين، معتبرا أن "حزب أربكان نفسه كان أكثر تطورا وتحررا من الأيديولوجيا مقارنة بحركة النهضة التونسية".

ويرى بن يونس أن تأسيس حزب جديد على يد المنشقين من حركة النهضة قد يفيد حركة النهضة الأم التي يمكن تستغل هذه العملية كورقة للضغط من أجل عقد مؤتمرها وإصلاحه، مضيفا "لكن صدور مبادرة عبد اللطيف المكي ورفاقه بعد 25 يوليو قد تستفيد منه صقور حركة النهضة لتقديم هؤلاء المعارضين على أنهم خونة لأنهم استقالوا في وقت المحنة والشدة وفي ظرف سياسي حساس".

جناح غاضب من حركة النهضة

ويعتقد المحلل السياسي بولبابة سالم في تعليق لـ "سبوتنيك"، أن توجّه المنشقين عن حركة النهضة إلى تأسيس حزب جديد هو حركة طبيعية عايشتها الأحزاب الكبرى بفعل التجاذبات الداخلية والتحفظ على بعض التوجهات، مشيرا إلى أن هؤلاء المستقيلين يسعون إلى بلورة أفكار لم تكن متاحة داخل حزبهم.

ويرى بولبابة أن هذا الحزب لن يختلف كثيرا عن حركة النهضة ولن يقطع معها من حيث التوجهات الكبرى والخطوط العريضة "لأن أعضاءه من القيادات التاريخية في حركة النهضة ومن الذين كبروا في ظل الفكر الأيديولوجي الإسلامي والمرجعيات العقائدية".

ولا يتوقع بولبابة أن يحظى هذا الحزب بموقع أكبر من حركة النهضة، مشيرا "سيكون أقرب منه إلى الجناح الغاضب من حركة النهضة وربما سيُركّز أكثر على الجانب الاجتماعي خاصة وأن عددا من قياداته على غرار عبد اللطيف المكي عرفوا بميلهم إلى هذا الجانب الذي ضاع في حكم النهضة بحكم تحالفاتها مع نداء تونس وقلب تونس وغيرهما".

وقال بولبابة إن الاختلاف الثاني سيكون على مستوى القدرة على التفاعل مع المستجدات ومع السلطة وخاصة على تشبيك علاقات جديدة وبالأساس مع المنظمات الوطنية وفي مقدمتها اتحاد الشغل.