جلسة افتراضية للبرلمان التونسي بعد 6 أشهر من تجميد نشاطه.. تمرد أم تطبيق للشرعية؟

خلّفت الجلسة الافتراضية التي عقدها البرلمان التونسي المعلقة اختصاصاته، يوم الأربعاء 26 من يناير/كانون الثاني، بدعوة من رئيسه راشد الغنوشي تباينا حادا في المواقف والانطباعات، خاصة وأن البرلمان في حالة تجميد نشاط بحكم الأمر الرئاسي رقم 117 الذي أصدره الرئيس قيس سعيد.

واجتمع الأربعاء، أكثر من 80 نائبا ضمن جلسة عامة افتراضية هي الأولى منذ 6 أشهر، احتفاءً بالذكرى الثامنة للمصادقة على دستور البلاد التونسية لسنة 2014، وسط جدل واسع بشأن مدى قانونية انعقادها ووقعها على المشهد السياسي.

فمن ناحية أولى، يدافع البرلمانيون المعارضون لتمشي الرئيس قيس سعيد عن شرعية المؤسسة البرلمانية التي يقولون إن الدستور نص على بقائها في حالة انعقاد دائم وليس في حالة تعليق نشاط.

بينما يرى شق ثان أن هذه الجلسة هي خرق للقانون وللنظام الداخلي للبرلمان، على اعتبار أنه لم يسبقها اجتماع لمكتب مجلس نواب الشعب ولم تجمع النصاب الذي يسمح بعقدها.

سياسيا، يرى البعض أن هذه الجلسة حققت مبتغاها، وهو تصويب أنظار التونسيين والعالم حول الوضع الذي باتت عليه الديمقراطية في تونس والتأكيد على أن مؤسسة البرلمان ما تزال تقوم بدورها.

وفي قراءة أخرى، يعتبر ملاحظون أن هذه الجلسة هي محاولة يائسة من رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وأنصاره لحشد دعم داخلي وخارجي مفقود والعودة بالبلاد إلى ما قبل تاريخ 25 يوليو.

البرلمان سيبقى في حالة انعقاد دائم

وفي الإطار، قال النائب عن كتلة قلب تونس في البرلمان رفيق عمارة لـ "سبوتنيك"، إن الهدف من انعقاد هذه الجلسة الافتراضية هو أولا الاحتفاء بدستور 2014 الذي وقع الانقلاب عليه، وثانيا بعث رسالة مفادها أن المؤسسة البرلمانية باقية.

وأضاف، "نحن متمسكون بهذه المؤسسة التشريعية التي اكتسبت شرعيتها من الشعب، وهي إلى اليوم ما تزال تحظى بالاعتراف الداخلي والخارجي، والدليل على ذلك هو دعوة رئيس البرلمان راشد الغنوشي للمشاركة في أشغال الاتحاد الدولي للبرلمانيين بالعاصمة الإسبانية".

وأكد عمارة أن البرلمان سيبقى في حالة انعقاد دائم، مشيرا إلى أن الجلسة الافتراضية الأولى ستعقبها جلسات أخرى ستناقش القضايا الحارقة وخاصة منها الاقتصادية والمالية، مشيرا إلى وجود مساعي لعقد جلسة عامة في القريب العاجل للنظر في قانون المالية والموازنة.

وشدد النائب في البرلمان على ضرورة إلغاء الأمر الرئاسي عدد 117 الذي وصفه بأنه مخالف للقانون، مضيفا "الدستور نصّ في فصله الثمانين على أن يبقى البرلمان في حالة انعقاد دائم طيلة فترة التدابير الاستثنائية".

وتعليقا على الانتقادات التي طالت هذا الاجتماع الافتراضي، قال عمارة إن الجلسة سليمة إجرائيا، وأنها لا تتطلب اجتماع مكتب البرلمان على اعتبار أن اعتبار أن الدعوة كانت مفتوحة لجميع النواب للمشاركة في الاحتفاء بذكرى المصادقة على الدستور، مشيرا إلى أن الجلسة حققت النصاب المطلوب بعد أن جمعت 91 نائبا.

وبيّن عمارة أن الجلسة خرجت بمطالب أساسية وهي العودة إلى الشرعية الدستورية وتنظيم حوار وطني وتنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها.

تمرّد على الرئيس وعلى الشعب

على الجانب الآخر، اعتبر القيادي في حركة الشعب، أسامة عويدات، في حديثه لـ "سبوتنيك"، أن دعوة الغنوشي إلى عقد جلسة عامة افتراضية هو تحد لرئيس الجمهورية واستفزاز للشعب التونسي الذي حسم أمره إزاء المنظومة الفارطة ورفع شعار حل البرلمان.

وأضاف "الرسالة التي قدّمها الغنوشي خلال هذه الجلسة تتضمن مغالطة للداخل والخارج، فهو من ناحية أراد التأكيد على بقائه في المشهد، في حين أن من حضر الجلسة هم من الموالين لحركة النهضة الذين شكلوا سابقا الحزام السياسي لحكومة هشام المشيشي".

وتابع "أما على المستوى الخارجي، فقد راهن الغنوشي على حشد دعم جديد، في حين أن اجتماعه الافتراضي لم يتضمن أدنى مقومات الجلسة البرلمانية ولم يكن سوى حركة بهلوانية تعبر عن إفلاس حركته التي باتت عاجزة عن المناورة".

وطالب عويدات بمتابعة الغنوشي قانونيا، داعيا القوى الوطنية إلى التنديد بما وصفه بالانتهاك الصارخ للقانون، مشيرا إلى أن مسار 25 يوليو قطع مع المنظومة السابقة ويجب أن يمر إلى البحث عن آليات تنفيذ تطلعات الشعب.

وأشار إلى أن الخطوة الأولى هي تنظيم حوار وطني مع الشباب وعموم الشعب، ثم مع القوى الداعمة لمسار 25 يوليو وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل وحركة الشعب لبناء رؤية إصلاحية فيما يتعلق بما هو سياسي واقتصادي واجتماعي وتنموي.

رسالة إلى الخارج

وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، نقل المحلل السياسي، مراد علالة، العديد من الملاحظات الشكلية والمضمونية في علاقة بانعقاد الجلسة العامة الافتراضية بعد نحو 6 أشهر من تعليق نشاط البرلمان.

وقال "من الناحية القانونية والإجرائية نسجل العديد من المآخذ، أولها أن الجلسة عقدت والحال أن البرلمان مجمد بحكم الأمر الرئاسي عدد 117، وثانيها أنها التأمت دون قرار من مكتب المجلس".

ولفت إلى أن أغلبية الكتل قاطعت هذه الجلسة وأعلنت أنها في حلّ منها، ومن بينهم النائب الثاني لرئيس البرلمان طارق الفتيتي الذي أكد أنه لم يكن على علم بها وأنه غير معني بالمشاركة فيها، مضيفا "الأهم من ذلك هو أن المزاج العام في تونس يرفض عودة هذا البرلمان بأي شكل من الأشكال".

وأضاف "عدديا، لم ينجح الغنوشي في استقطاب نصف أعضاء البرلمان، حيث لم تحصل الجلسة على نصاب الـ 109 صوت، وبالتالي فهو برهن على أنه غير قادر على قلب المعادلات داخل البرلمان".

وأشار علالة إلى أن رئيس البرلمان راشد الغنوشي استغل التراخي وبطء المسار السياسي لرئيس الجمهورية واستغل تاريخ المصادقة على الدستور وحاول تسجيل نقاط سياسية في مرمى رئيس الجمهورية لإقناع أتباعه بأنه ما يزال مؤثرا.

وبيّن أن رسالة الغنوشي موجّهة بالأساس إلى الخارج أكثر منها إلى الداخل التونسي، "فهو يسعى إلى إقناع الجهات الخارجية بأن المؤسسة البرلمانية ما تزال قائمة، ويراهن على تأليب الخارج للضغط على السلطة في تونس وعلى مؤسسة الرئاسة مستندا على وجود ضغوطات سببه الصعوبات الاقتصادية والمالية".

ويرى علالة أن إبقاء البرلمان في حالة انعقاد دائم والدعوة إلى سحب الإجراءات الاستثنائية وتنظيم حوار وطني خطوة غير ممكنة ولا معنى لها، باعتبار أن الغنوشي سبق وأن اعتمد نفس الخطاب يوم 25 يوليو ووعد ببقاء البرلمان في حالة انعقاد ولم يفِلح في ذلك.